للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرى العشا في العين أك ... ثر ما يكون من العشاء (١)

أراد من تأخير العشاء، لأن أكل الطعام بالليل يحدث ضعف البصر أكثر من غيره، وقال كشاجم: [مجزوء الخفيف]

ونديم مخالف ... لا يشاء الّذي أشا (٢)

هو في الصّحو لي أخ ... وعدوّ إذا انتشى

اقترحت العشاء يو ... ما عليه فأدهشا

ساعة ثم قالى لي: ... العشا يورث العشا

كأن هذا التطبّب أخذه كشاجم من قول [ضيف] الصاحب بن عباد، قال الصاحب:

ما أفحمني أحد كأبي الحسن البديهيّ، فإنه كان عندي، فقدّمت إليه فاكهة، فأمعن في المشمش، فقلت: المشمش يلطّخ المعدة، فقال: لا يعجبني المضيف إذا تطبّب، فوددت أني لم أقلها.

وورد النهي عن ترك العشاء في حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدعوا العشاء، ولو بكفّ من حشف، وإنّ تركه مهرمة» (٣).

وقوله: «تحول دون الهجوع»، أي تمنع من النوم، وجاء في الحديث النّهي عن التكلف، قال سفيان: ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان، فقال: لولا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التكلّف لتكلّفت لكم، ثم جاء بخبز وملح، فقال صاحبي: لو كان في ملحنا صعتر! فبعث سلمان مطهرته، فأرهنها، فجاء بصعتر، فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الذي أقنعنا بما رزقنا، فقال سلمان: لو قنعت لم تكن مطهرتي مرهونة! وجاء في حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نعم الإدام الخلّ» (٤)، وكفى بالمرء إثما أن يسخط ما قرّب إليه. الهجوع، أي النوم.

***

قال: فكأنّه اطّلع على إرادتنا، فرمى عن قوس عقيدتنا، لا جرم أنّا آنسناه بالتزام الشّرط، وأثنينا على خلقه السّبط ولمّا أحضر الغلام ما راج، وأذكى بيننا السّراج، تأمّلته فإذا هو أبو زيد، فقلت لصحبي: ليهنئكم الضّيف الوارد، بل


(١) البيت في ديوان ابن دريد ص ٣٠.
(٢) الأبيات في ديوان كشاجم ص ١٠٦.
(٣) أخرجه الترمذي في الأطعمة باب ٤٦، بلفظ: «تعشّوا ولو بكف من حشف».
(٤) أخرجه أبو داود في الأطعمة باب ٣٩، والنسائي في الأيمان باب ٢١، وابن ماجة باب ٣٣، والدارمي في الأطعمة باب ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>