المغنم البارد! فإن يكن أفل قمر الشّعرى فقد طلع قمر الشّعر، أو استسرّ بدر النّثرة فقد تبلّج بدر النّثر. فسرت حميّا المسرّة فيهم، وطارت السّنة عن مآقيهم، ورفضوا الدّعة الّتي كانوا نووها وثابوا إلى نشر الفكاهة بعد ما طووها؛ وأبو زيد مكبّ على إعمال يديه، حتّى إذا استرفع ما لديه، قلت له: أطرفنا بغريبة من غرائب أسمارك، أو عجيبة من عجائب أسفارك.
***
قوله: «عقيدتنا»؛ أي ما انعقدت عليه نيّاتنا، ويقال: رميت عن القوس، ولا يقال:
رميت بها، إلا أن ترميها من يدك. لا جرم، بمعنى حقا، ولا بدّ ولا محالة. السّبط:
السهل. راج: تيسر. أذكى: أوقد. السّراج: المصباح تأملته: نظرته ليهنئكم، أي ليسرّكم. الوارد: القاصد. المغنم البارد: الهنيء الذي يغنم دون قتال ولا تعب. أفل:
غاب الشّعري: كوكب معروف، وهما شعريان: العبور والغميصاء، سمّوها عبورا لأنهم يزعمون أنها عبرت المجرّة، وسموا الأخرى الغميصاء لأنها بكت على أختها حتى غمصت عينها. أي خفيت استسرّ: غاب وخفي. النّثرة: ثلاثة أنجم مجتمعة. تبلّج: ظهر وأضاء. النثر: ضد النظم، يقول: إن غاب قمر السماء الذي يتحدّث بضوئه، فهذا أبو زيد قمر الفصاحة قد طلع، فجدّدوا حديثكم ودعوا النوم.
سرت: مشت حميّا المسرّة: شدة السرور، والحميّا: حدّة الخمر وتسمّى الخمر الحميّا. السّنة: أخفّ من النوم. مآقيهم: عيونهم، والمآق: طرف العين من جهة الأنف.
رفضوا: تركوا. الفكاهة: الحديث المظرّف، وأصلها المزاح، ومنه قولهم: لا تمازحنّ صبيّا ولا تفاكهنّ أمة، قال ابن الأنباريّ: المعنى: لا تمازحنّ، إلا أنه استسمج إعادة اللفظ فأتى بلفظ في مثل معناه، مخالف للفظه. وتفاكهنّ، مشتق من الفكاهة، وهي المزاح، وقال طرفة: [الطويل]
وإن امرأ لم يعف يوما فكاهة ... لمن لم يرد سوءا بها لجهول (١)
ووصف أبو العيناء بن أبي دواد، فقال: له هزل يؤثم به، وجدّ يتقدم الجدّ، وبين ذلك فكاهة تستملح، ودعا به تستظرف. ومزح، مصادره ثلاثة: مزح ومزاح وممازحة.
اليزيديّ: بالكسر لا غير. أبو عمرو: ما ذكره اليزيديّ مصدر مازحت مزاحا وممازحة.
قوله: «مكبّ»، أي مائل الرأس. إعمال يديه: استعمالها بالأكل. واسترفع: أمر برفعه، ويروى «استفرغ»، أي أتمّ. أطرفنا، أي حدّثنا بطرفة، وهي الحديث المستملح، والطرفة عند العرب: الشيء المحدث الذي لم يكن عرف، وجاء فلان بطرفة وشيء
(١) البيت في ديوان طرفة بن العبد ص ١٢٠.