للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما زلت أبسطه مازحا ... وأفرط في اللهو حتّى ابتسم

وحكّمني الرّيم في نفسه ... بشيء ولكنّه مكتتم

فقال: يا فاسق، أظنّ ما ادّعيته في النوم وكان في اليقظة؟ وأصلح الأشياء بنا أن نرحض العار عن أنفسنا بهبته لك، فخذه لا بارك الله لك فيه، فأخذته وانصرفت.

وقد تقدّم في هذا الكتاب من كلام الحسين ما يفوق به كلّ شاعر، وهو القائل:

[الطويل]

أجرني فإنّي قد ظمئت إلى الوعد ... متى ينجز الوعد المؤكّد بالعهد! (١)

أعيذك من خلف الملوك وقد ترى ... تقطّع أنفاسي عليك من الوجد

أيبخل فرد الحسن عنّي بنائل ... قليل وقد أفردته بهوى فرد!

وهذا منتهى ما أوردته للحسين من العجائب.

دخل عليّ بن الجهم على عبد الله بن طاهر في غدوة الربيع، وفي السماء غيم رقيق، والمطر يجيء قليلا، ويسكن قليلا، فغاضبته جارية له، فانتقض عزمه فخبّر ابن الجهم بذلك، فأراد تنشيطه فدخل عليه فأنشده: [البسيط]

أما ترى اليوم ما أحلى شمائله ... صحو وغيم وإبراق وإرعاد (٢)

كأنه أنت يا من لا شبيه له ... وصل وهجر وتقريب وإبعاد

فباكر الرّاح واشربها معتّقة ... لم يدّخر مثلها كسرى ولا عاد

واشرب على الرّوض إذ لاحت زخارفه ... زهر ونور وأوراق وأوراد

كأنما يومنا فعل الحبيب بنا ... بذل وبخل وإبعاد وميعاد

وليس يذهب عني كلّ فعلكم ... غيّ ورشد وإصلاح وإفساد

فاستحسنها وأمر له بثلاثمائة دينار وحمله وخلع عليه وقال علي أيضا: [البسيط]

الورد يضحك والأوتار تصطخب ... والناي يندب أحيانا وينتحب (٣)

والراح تعرض في يوم الربيع كما ... تجلى العروس عليها الدرّ والذهب

وكلما انسكبت في الكأس آونة ... حسبت أن شعاع الشّمس ينسكب

وقد مرّ من كلام ابن الجهم كلّ بديع، في نظمه رفيع، وآخر شعر قاله وهو أحسن ما قيل في معناه: [المنسرح]


(١) ديوان ابن الضحاك ص ٤٦.
(٢) الأبيات في ديوان علي بن الجهم ص ١٢٢.
(٣) ديوان ابن الجهم ص ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>