ثم إن الحريري أنشأ هذه المقامة الحراميّة في ذلك فقيل له: هي أحسن من مقامات البديع، فأنشأ أربعين مقامة، ثم استزادوه فكمّلها خمسين.
***
قال أبو زيد: فلمّا أتممت هذرمتي، وأوهم المسئول صدق كلمتي أغراه القرم إلى الكرم بمواساتي، ورغّبه الكلف بحمل الكلف في مقاساتي، فرضخ لي على الحافرة، ونضخ لي بالعدة الوافرة.
فانقلبت إلى وكري، فرحا بنجح مكري، وقد حصلت من صوغ المكيدة، على سوغ الثّريدة، ووصلت من حوك القصيدة، إلى لوك العصيدة.
قوله: هذرمتي، أي كثرة كلامي، أوهم: أي خيّل له. كلمتي، أي قصيدتي، أغراه، أي حرّضه القرم: الشّهوة. مواساتي: إعطائي، الكلف: الحبّ، والكلف: جمع كلفة وهي ما يتكلّف من العمل. رضخ: أعطى، على الحافرة، أي عند ما أكملت كلامي، والحافرة: أوّل الأمر، وقيل إنّ أصلها في بيع الفرس، ولرفعة الخيل عندهم كان لا يفارق البائع حافر فرسه، حتى يأخذ ثمنه، نضخ: رفع، ونضخ الماء فورانه من منبعه، الوافرة: الكثيرة، وكري: بيتي، وأصله للطائر، صوغ المكيدة: صنعة الكيد. سوّغ: بلع بسهولة، لوك: مضغ.
قال الحارث بن همام: فقلت له: سبحان من أبدعك، فما أعظم خدعك، وأخبث بدعك! فاستغرب في الضّحك، ثم أنشد غير مرتبك:[مجزوء الكامل]
عش بالخداع فأنت في ... دهر بنوه كأسد بيشه
وأدر قناة المكر حتّ ... ى تستدير رحا المعيشة
وصد النّسور فإن تعذّ ... رصيدها فاقنع بريشه
واجن الثمار فإن تفت ... ك فرضّ نفسك بالحشيشه
وأرح فؤادك إن نبا ... دهر من الفكر المطيشة
فتغاير الأحداث يؤ ... ذن باستحالة كلّ عيشه
***
أبدعك، أي أوجدك وخلقك. استغرب: أكثر الضحك. مرتبك: مختلط في كلامه، بيشة: موضع كثير الأسد، المكر: الخديعة. نبا: ارتفع، المطيشة: المدهشة للعقل.