للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بغى بعض على بعض ... فلم يبقوا على بعض

ومنهم من يجيز النا ... س بالسّنّة والفرض

ومنهم حكم يقضي ... فلا ينقض ما يقضي

الحكم: عامر بن الظرب، والذي كان يجيز النّاس في الحجّ منهم رجل كان يسمى أبا سيارة، أجاز الناس على حمار له أسود، من المزدلفة إلى منى أربعين عاما. فقيل في المثل: أصحّ من عير أبي سيارة، وكانت إجازته أن يقول: اللهمّ حبّب بين نسائنا وبغّض بين رعائنا، واجعل المال في سمحائنا. وأوفوا بعهدكم، وأكرموا جاركم واقروا ضيفكم ثم يدفع فيقول: [الرجز]

خلّوا الطريق عن أبي سيّاره ... وعن مواليه بني فزاره

* حتى يجيز سالما حماره (١) *

ثم يقف فيقول: أشرق ثبير. كيما نغير، وكانت الإجازة قبلهم في خزاعة، فغلبتهم عليها عدوان. ولا تقرع له العصا مثل، يضرب لمن وافق صاحبه وساواه.

ولما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها قال عمّها: مثل محمد لا تقرع له العصا (٢)، وأصل ذلك أن الناقة الكريمة إذا أتاها فحل غير كريم منعوه عنها، وقرعوه بالعصا على أنفه. وفي المثل: إن العصا قرعت لذي الحلم.

قوله: ولا ينبّه بطرق الحصا، كانت العرب إذا أرادت اختبار الرجل: هل يصلح للسفر والغارة: ترك الرجل صاحبه حتى ينام، فيأخذ حصاة فيرمي بها إلى جانبه، فإن انتبه توثق به.

وخرج أبو كبير الهذلي ومعه تأبط شرا للغارة، فلما جنّ الليل أووا إلى موضع ليناموا فيه، فتركه أبو كبير حتى نام، فرمى إلى جانبه بحصاة، فساعة مسّت الأرض وثب ثم عاد إلى نومه، ففعلها ثلاثا فكان ينتبه لوقوعها ويثب ويجول يطلب لها راميا، فلا يجد إلا أبا كبير نائما، فقال له عند الثالثة: والله لئن عدت لأقتلنّك، فإنه ليس هنا من يفعل هذا غيرك، فضحك أبو كبير وقال: أردت اختبارك، ثم ذكر القصة في قصيدته التي يقول فيها: [الكامل]


والبيت الثاني في لسان العرب (رعى)، وتهذيب اللغة ٣/ ١٦٣، ومجمل اللغة ٢/ ٣٩٢، وتاج العروس (عذر)، والحماسة البصرية ١/ ٢٦٩، وأمالي المرتضى ١/ ٢٥٠.
(١) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (سير)، (جوز) وتاج العروس (سير)، (جوز)، ومعجم البلدان (ثبير).
(٢) رواه ابن الأثير الجزري في النهاية ٤/ ٤٣، بلفظ: «حديث خطبة خديجة، قال ورقة بن نوفل: هو الفحل لا يقرع أنفه».

<<  <  ج: ص:  >  >>