للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يبق من القوم إلّا من سرّ لسروره؛ ورضخ له بميسوره فقبل عفو برّهم، وأقبل يغرق في شكرهم.

ثمّ انحدر من الصّخرة، يؤمّ شاطئ البصرة، واعتقبته إلى حيث تخالينا، وأمنّا التجسّس والتّحسّس علينا، فقلت له: لقد أغربت في هذه النّوبة، فما رأيك في التّوبة، فقال: أقسم بعلّام الخفيّات، وغفّار الخطيّات، إن شأني لعجاب، وإنّ دعاء قومك لمجاب، فقلت زدني إفصاحا، زادك الله صلاحا فقال: وأبيك لقد قمت فيهم مقام المريب الخادع، ثمّ انقلبت منهم بقلب المنيب الخاشع، فطوبى لمن صغت قلوبهم إليه وويل لمن بات يدعون عليه. ثمّ ودّعني وانطلق، وأودعني القلق.

قوله: فطفقت، أي أخذت وجعلت. تمدّه بالدعاء، أي تصل دعاءها بدعائه، وتقول: أمددته بالمال، إذا قوّيته به، ومددته بالجيش. رجفانه: اهتزازه، ورجف الشيء:

تحرّك، والرجفة: اهتزاز الأرض. بانت: ظهرت. انجابت: انكشفت وزالت. غشاوة الاسترابة: غطاء الشكّ. رضخ: أعطى. ميسوره: ما تيسر له. وعفو برهم: فضل إحسانهم. يهرف: يكثر الكلام ويطنب في الشكر. انحدر: انصبّ. يؤمّ: يقصد.

شاطئ: ساحل. اعتقبته: تبعته تخالينا.: صرنا في خلوة من الناس. التّجسّس: طلب الشيء باليد، وقيل: التجسّس: طلب الشيء بالكلام. والتّحسس: طلبه باليد، ثم قد يقع كلّ واحد منهما موقع صاحبه. ابن الأنباريّ: تجسس الرجل وتحسّس بمعنى واحد، هذا إجماع أهل اللغة. وفرّق بينهما يحيى بن أبي كثير، فقال: التحسّس البحث عن عورات الناس والتجسّس الاستماع لحديث القوم. ابن الأنباري: الجاسوس: الباحث على أمور الناس. النّوبة: الدولة. إيضاحا: بيانا. المريب: صاحب الريبة. المنيب: الرّاجع إلى الله بتوبته. الخاشع: هو الخاضع. صغت: مالت.

***

فلم أزل أعاني لأجله الفكر، وأتشوّف إلى خبرة ما ذكر وكلّما استنشيت خبره من الرّكبان، وجوّابة البلدان، كنت كمن حاور عجماء، أو نادى صخرة صمّاء، إلى أن لقيت بعد تراخي الأمد، وتراقي الكمد ركبا قافلين من سفر، فقلت: هل من مغرّبة خبر؟ فقالوا. إنّ عندنا لخبرا أغرب من العنفاء، وأعجب من نظر الزّرقاء.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>