للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البلاد، حدائق ملتفّة، وقصور مصطفة، فكفروا بأنعم الله فأهلكهم، وذلك لأنهم ملكهم عملوق بن طسم، وكان غشوما لا يملك نفسه في هواه، فاختصمت إليه امرأة من جديس اسمها هزيلة مع زوجها في ابن لها، فأمر بالولد فجعل في غلمانه، وأمر بالزوج أن يباع وتعطى المرأة عشر ثمنه، وبالمرأة أن تباع ويعطى الزوج خمس ثمنها، فقالت هزيلة:

[الطويل]

أتينا أخا طسم ليحكم بيننا ... فأبدع حكما في هزيلة ظالما

وهي أبيات، فبلغه قولها، فأمر ألّا تتزوّج امرأة من جديس حتى تحمل إليه قبل زوجها فيعتذرها، فلقوا منه ذلّا طويلا إلى أن تزوّجت الشموس بنت غفار أخت الأسود ابن غفار، وكان سيّد جديس فلمّا كانت ليلة إهدائها حملت إليه، والقيان معها يقلن:

[الرجز]

ابدأ بعملوق إليه فاركب ... وبادر الصّبح بأمر معجب

فما لبكر بعدكم من مذهب

فلما افتضّها، خرجت على قومها في دمائها شاقة جيبها من دبر ومن قبل وهي تقول: [الطويل]

أيصلح ما يؤتى على فتياتكم ... وأنتم رجال فيكم عدد الرّمل

فإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه ... فكونوا نساء لا تفرّ من الفحل

فلو أننا كنّا رجالا وكنتم ... نساء لكنا لا نقيم على الذلّ

فأنفت جديس عند ذلك، واجتمعت إلى أخيها الأسود، وأجمعوا على أن يصنعوا لها طعاما، فيدعو عملوقا مع قومه فإذا جاءوا في الخيل والبغال عمّوهم بالقتل، فقالت الشموس لأخيها: الغدر عار وعاقبته بوار، صبّحوا القوم في ديارهم تظفروا أو تموتوا كراما، فقالوا لها: المكر أمكن من نواصيهم، ثم صنع لهم الطعام ودفنوا سيوفهم في الرمل، فلما استكملوا في المدعاة أتوا عليهم أجمعين، وهرب من طسم رياح بن مرة، فأتى حسان بن تبّع لينصره، فاستبعدوا أرضهم، وكان قد تبّع لرياح كلبة، فضربها في رجلها حتى عرجت، فقال: أبعيدة أرض قطعتها كلبة عرجاء! فتجهز معه بجيش فلما صاروا من جديس على ثلاثة أيام، صعدت الزرقاء على منار كان لها لتنظر الجيش، وكان رياح قد قال لهم: إنّ الزرقاء تبصر على ثلاث ليال، ولكن ليقطع كل رجل منكم غصنا من شجر، فيحمله لنشبّه عليها، فلمّا رأتهم، قالت: يا قوم أتتكم الشجر أو أتتكم حمير، فلم يصدقوها فقالت: [الرمل]

أقسم بالله دبّ الشّجر ... أو حمير قد أقبلت شيئا تجرّ

فكذّبوها، وقالوا، كلّ بصرك وضعف، فقالت: أقسم بالله لقد أرى رجلا ينهش

<<  <  ج: ص:  >  >>