أحيا ملك حمير بعد أربعين عاما، وهي أيام ملك سليمان وسمي شمغورش تبّعا الأكبر، وإن كانت العرب لم تسمّ قبله تبّعا لأن العرب لم يقم لها أحفظ منه، وكان يتجاوز عن مسيئهم ويحسن إلى محسنهم، وكان جميع أهل الأرض شاكرين لأيامه، وكان أعقل من رأوا من الملوك وأعلاهم همة، وأبعدهم غورا، وأشدهم مكرا لمن حارب، وغزا جمع ملوك الآفاق، وقطع بجيوشه الأرض كلّها شرقا وغربا، ثم رجع إلى قصر غمدان يريدملك الأرض وذلّت له ملوكها وعمّر زمانا طويلا، وهو أوّل من أمر بصنعة الدروع السوابغ، جعل على أهل فارس ألف درع، وعلى الروم ألف درع، وعلى اليمن كذلك، وعلى ممالكه كلها مثل ذلك فكانوا يغدون عليه كل سنة بذلك العدد، ولذلك قال أبو ذؤيب:[الكامل]
وعليه مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبّع (١)
وقال ابن الكلبي: لم يملك الأرض كلّها إلا ثلاثة أبرار، وهم سليمان عليه السلام وذو القرنين وتبّع، وهو أسعد وأبو كرب. وثلاثة كفّار، وهم النمروذ وبختنصر والضّحاك. وأبو كرب الذي ذكر هو تبع، وكان ملكا عظيما، فتح البلاد، وملك العباد، وأقبل من اليمن يريد العراق فنزل الحيرة وحفر لهم نهرا، وهو نهر الحيرة إلى سوقها، وبعث إليه حسان في جنده ليطوف الأرض، فمضى به حسان في عسكر عظيم جرار، لا يمرّ بمدينة إلا فتحها ولا ملك إلا قهره. وقيل في تسمية ملوك اليمن تبابعة أنه لكثرة ما يتبع الملك منهم من الجنود، وقيل سمّي تبّعا لأنه تبع من قبله، ولابن سكّرة في معنى بيت المقامة [الكامل]
والموت أنصف حين عدّل قسمة ... بين الخليفة والفقير البائس
***
وبعده العرض الّذي ... يحوي الحييّ والبذي
والمبتدي والمحتذي ... ومن رعى ومن رعي
فيا مفاز المتّقي ... وربح عبد قد وقي
سوء الحساب الموبق ... وهول يوم الفزع
ويا خسار من بغى ... ومن تعدّى وطغى
وشبّ نيران الوغى ... لمطعم أو مطمع
(١) البيت لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ١/ ٣٩، وسر صناعة الإعراب ٢/ ٧٦٠، وشرح المفصل ٣/ ٥٩، ولسان العرب (تبع)، (صنع)، (قضى)، والمعاني الكبير ص ١٠٣٩، وتاج العروس (صنع)، (قضى)، وبلا نسبة في شرح المفصل ٣/ ٥٨.