أقلامها. رقشنا: كتبنا. على ما سردها، أي كما حكاها وتكلّم بها.
***
ثم استبطنّاه عن مرتآه، في استضمام فتاه، فقال: إذا ثقل ردني، خفّ عليّ أن أكفل ابني؛ فقلنا: إن كان يكفيك نصاب من المال، ألّفناه لك في الحال؛ فقال: وكيف لا يقنعني نصاب، وهل يحتقر قدره إلّا مصاب!
قال الراوي: فالتزم منه كلّ منّا قسطا، وكتب له به قطّا، فشكر عند ذلك الصّنع، واستنفد في الثّناء الوسع، حتى إنّنا استطلنا القول، واستقللنا الطّول. ثمّ إنّه نشر من وشي السّمر، ما أزرى بالحبر، إلى أن أظلّ التّنوير، وجشر الصّبح المنير، فقضيناها ليلة غابت شوائبها، إلى أن شابت ذوائبها، وكمل سعودها، إلى أن انفطر عودها.
***
استبطنّاه: سألناه وطلبنا منه معرفة باطنه. مرتآه: رأيه وغرضه. ردني: كمّي.
أكفل: أضمّ. نصاب: عشرون دينارا. ألفناه: جمعناه. يقنعني: يكفيني. مصاب:
مجنون. قوله: «قسطا»، أي نصيبا. قطّا: كتابا. الصنع: الفعل الجميل، استنفد:
استتمّ. الوسع: الطاقة، ووسع الرجل قدر ما يجد من مال أو كلام أو غير ذلك، وهو من السعة، أي أثنى غاية ما يمكنه من الثناء. استطلنا: استكثرنا ووجدناه كثيرا طويلا، والطّول: الإنعام والفضل، أي رأينا ما أنعمنا به عليه قليلا. والوشى: ثياب مرقومة بألوان شتّى من الحرير. والحبر: ثياب فيها خطوط ورقوم مختلفة، والحبر تصنع باليمن، فشبّه حسن حديثه بالوشى، وخصّ الحبر لحسن فنونه، وقال ابن الزقّاق- وكأنه وصف الليلة والعجاب الذي سامرهم به أبو زيد، وزاد عليه الشجاعة:
[الكامل]
لله ليلتنا الّتي استجدى بها ... فلق الصّباح لسدفة الإظلام
طرأت عليّ مع النجوم بأنجم ... من فتية بيض الوجوه كرام
إن حوربوا فزعوا إلى بيض الظّبا ... أو خوطبوا فزعوا إلى الأقلام
فترى البلاغة إن نظرت إليهم ... والبأس بين يراعة وحسام
جتر: طلع. قضيناها: أتممناها. شوائبها: ما ينكدها ويكدرها. الذوائب: الشعر الطويل الأسود، وأراد به ظلام الليل، وجعل فيه بياض الصبح بمنزلة الشيب في سواد الشعر، قال ابن دريد: [الرجز]
إمّا ترى رأسي حاكي لونه ... طرّة صبح تحت أذيال الدّجى