للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استمطرت وطلبت سقياه. والأسكوب: المطر الكثير. باريها: صانعها، وكل هذه أمثال، ويريد: أنا أهل لكلّ ما طلبت.

وأوّل من قال: أعط القوس باريها الحطيئة، وذلك أنه دخل على سعيد بن العاص وهو يقري النّاس، فأكل أكلا جافيا، وخرج الناس، فأقام، وأتاه الحاجب ليخرجه فامتنع، وقال: أترغب بهم عن مجالستي! إنّي بنفسي عنهم لأرغب! فقال له سعيد:

دعه. ثم تذاكروا الشعر والشعراء، فقال لهم الحطيئة: والله ما أصبتم جيّد الشّعر ولا شاعر العرب، ولو أعطيتم القوس باريها، وقعتم على ما تريدون، فقال له سعيد: فمن أشعر العرب؟ قال: الذي يقول: [الخفيف]

لا أعدّ الإقتار عدما ولكن ... فقد من قد رزئته الإعدام (١)

إلى آخر القصيدة. قال: فمن قائلها؟ قال: أبو دؤاد الإياديّ، قال: ثم من؟ قال:

والله لحسبك بي رهبة أو رغبة؛ أنا إذا رفعت إحدى رجليّ على الأخرى، وعويت في إثر القوافي كما يعوي الفصيل الصادي إثر أمّه؛ قال: [من أنت؟ قال: ] الحطيئة، قال: حيّاك الله يا أبا مليكة، ألا أعلمتنا بمكانك، ولم تحملنا على الجهل بك، فنضيع حقّك ونبخسك قسطك! وأدناه ووصله.

وقال الشاعر: [البسيط]

يا باري القوس بريا ليس يحسنه ... لا تظلم القوس واعط القوس باريها (٢)

ريث: مقدار وبطء. استجمّ: استكثر. قريحته: طبيعته، والقريحة في الأصل أوّل ماء البئر النابع، واستجمّها: تركها حتى تكثر. استدرّ: استنزل درّها وهو لبنها. واللّقحة:

الناقة ذات اللبن؛ يريد: أقام قليلا يفكّر ويختار ما يقول: ومثل هذه الحالة ذكروا أن صديقا لكلثوم العتابيّ أتاه يوما، فقال له: اصنع لي رسالة، فاستمد مدّة، ثم علّق القلم، فقال له صاحبه: ما أرى بلاغتك إلّا شاردة عنك، فقال له العتّابيّ: إني لمّا تناولت القلم تداعت عليّ المعاني من كلّ جهة، فأحببت أن أترك كلّ معنى حتى يرجع إلى موضعه، وهذا مثل قول امرئ القيس- ويقال إنه قالها وهو ابن عشر سنين: [المتقارب]

أذود القوافي عنّي ذيادا ... ذياد غلام غويّ جوادا (٣)


(١) البيت لأبي دؤاد الإيادي في ديوانه ص ٣٣٨، والأصمعيات ص ١٨٧، والأغاني ٢/ ١٣٩، ١٦/ ١٩٩، ١٧/ ١٥٥، وتخليص الشواهد ص ٤٣١، وخزانة الأدب ٨/ ١٢٥، ٩/ ٥٩٠، ٥٩١، والدرر ٢/ ٢٣٨، والشعر والشعراء ١/ ٢٤٤، والمؤتلف والمختلف ص ١١٥، والمقاصد النحوية ٢/ ٣٩١، وبلا نسبة في همع الهوامع ١/ ١٤٨.
(٢) البيت للحطيئة في شرح شواهد الشافية ص ٤١١، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٨/ ٣٤٩، ٣٥٠.
(٣) الأبيات لامرئ القيس في ديوانه ص ٢٤٨، ولسان العرب (مرج)، والتنبيه والإيضاح ١/ ٢١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>