للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك العود والسنّ والقرن، فإن كان فيها عوج فذلك الدّرء.

قوله: «خذ أداتك»، أي قلمك. وقال ابن طاهر لكاتب له: ألق دواتك، وأطل سنّ قلمك، وفرّق بين السطور، وتوسط بين الحروف.

وقال ابن عبد ربه: ينبغي للكاتب أن يصلح آلته التي لا بدّ له منها، وأداته التي لا تتمّ صناعته إلا بها، وهي دواته، فلينعم ربّها إصلاحها، ثم ليختر من أنابيب القصب أقلّها عقدا، وأكثفها لحما، وأصلبها قشرا، وأعدلها استواء، ويجعل لقرطاسه سكينا حادّا ليكون عونا له على برى أقلامه، ويبريها من ناحية نبات القصب.

واعلم أنّ محل القلم من الكاتب محل الرّمح من الفارس، نظم أحد الشعراء فقال:

[الرمل]

يمسك الفارس رمحا بيد ... وأنا أمسك فيها قصبه

فكلانا فارس في شأنه ... إنما الأقلام رمح الكتبة

وقال أبو الفتح البستي: [البسيط]

إن هزّ أقلامه يوما ليعملها ... أنساك كلّ كميّ هزّ عامله

وإن أقرّ على رقّ أنامله ... أقرّ بالرّقّ كتّاب الأنام له

رأى جعفر بن يحيى خطّا فاستحسنه، فقال: الخطّ خيط الحكمة، ينظم فيه منثورها، وتفصّل فيه شذورها.

ومن كتاب جعفر بن يحيى إلى محمد بن الليث: أما بعد، فليكن قلمك محرّفا. لا متينا ولا رقيقا، ضيّق القلب، فأبره بريا مستويا كمنقار الحمامة، وأعطف بطنه، ورقّق شفرتيه، وليكن قرطاسك رقيقا مستوى النّسج، مخرج السّحاءة (١)، مستويا من أحد الطرفين إلى آخره، فليست تستقيم السّطور إلا فيما كان كذلك، وليكن أكثر مطّك في أطراف القرطاس الذي فيه يسارك، وأقلّه في الوسط، ولا تمطّ في الطرف الآخر، والمطّ نصف الخطّ، ولا يقوى عليه إلا العاقل.

قال العتابيّ: سألني الأصمعيّ في دار الرشيد أيّ الأنابيب للكتابة أصلح، وعليها أصبر؟ فقلت له: ما نشف بالهجير ماؤه، وستره من تلويحه غشاؤه، من الدّرّية الظهور، النيّرة القشور، الفضّيّة الكسور؛ قال: فأيّ نوع من البري أصوب وأكتب؟ فقلت له:

البريّة المستوية القطّة، التي عن يمين سنها قرنة (٢)، تأمن معها المجّة عند المدّة والمطّة، للهواء في شقّها صفيق، وللرّيح في جوفها خريق، والمداد في خرطومها رقيق. قال العتابيّ: فبقي الأصمعيّ شاخصا إليّ لا يحير جوابا.


(١) السحاءة: أي القشرة.
(٢) القرنة: الطرف المائل من كل شيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>