غرر، وأنت تقتل على خطر، فقال صاحب السيف: القلم خادم السّيف إن تمّ مداده، وإلا فإلى السيف معاده.
قال الصوليّ: وقال بعض اليونانيين: الدين والدنيا تحت شيئين: سيف وقلم، والسيف تحت القلم.
وفي ذلك يقول جرير النّميريّ: [الوافر]
أتحقرني ولست لذاك أهلا ... وتدنى الأصغرين من الخوان
جهابذة وكتّاب وليسوا ... بفرسان الكتيبة والطّعان
ستذكرني وتعرفني إذا ما ... تلاقي الحلقتان من البطان
وقال كشاجم: [الطويل]
هنيئا لأصحاب السيوف بطالة ... تقضّي بها أيامهم في التنعّم
وكم فيهم من دائم الأمر لم يرع ... بحرب ولم ينهد لقرن مصمّم
وكلّ ذوي الأقلام في كلّ ساعة ... سيوفهم ليست تجفّ من الدّم
وقال آخر: [البسيط]
قوم إذا أخذوا الأقلام من قصب ... ثم استمدوا بها ماء المنيّات
نالوا بها من أعاديهم وإن بعدوا ... ما لا ينال بحدّ المشرفيّات
وقال البحتريّ يصف كلام الحسن بن وهب وأقلامه: [الكامل]
وإذا تألّق في العيون كلامه ال ... محمود خلت لسانه من عضبه (١)
وإذا دجت أقلامه ثم انتحت ... برقت مصابيح الدّجى في كتبه
فاللفظ يقرب فهمه في بعده ... منّا، ويبعد نيله من قربه
حكم، فسائحها خلال بنانه ... متدفّق، وقليبها في قلبه
فكأنّها والسّمع معقود لها ... شخص الحبيب بدا لعين محبّه
وقال عليّ بن الجهم في رقعة جاءته بخط جارية: [السريع]
ما رقعة جاءتك مثنيّة ... كأنّها خدّ على خدّ
نبذ سواد في بياض كما ... ذرّ فتيت المسك في الورد
ساهمة الأسطر مصروفة ... عن وجهة الهزل إلى الجدّ
يا كاتبا أسلمني عتبه ... إليه، حسبي منك ما عندي
(١) الأبيات في ديوان البحتري ص ١٦٤.