للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال البحتري في ابن الزيات: [الخفيف]

قد تصرّفت في الكتابة حتّى ... عطّل الناس ذكر عبد الحميد (١)

في نظام من البلاغة ما ش ... ك أمرؤ أنّه نظام فريد

وبديع كأنه الزّهر الضا ... حك في رونق الرّبيع الجديد

ما أعيرت منه بطون القراطي ... س وما حملت ظهور البريد

حزن مستعمل الكلام اختيارا ... وتجنّبن ظلمة التّعقيد

كالعذارى غدون في الحلل الصّف ... ر إذا رحن في الخطوب السّود

قال المأمون لمحمد بن داود: إن شاركناك في اللّفظ فقد تاركناك في الخطّ، فقال:

يا أمير المؤمنين، إنّ من أعظم آيات النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه أدّى عن الله تعالى رسالته، وحفظ وحيه، وهو أميّ لا يعرف من فنون الخطّ فنّا، ولا يقرأ من حروفها حرفا، وبقي عمود ذلك في أهله، فهم يشرفون بالشّرف الكريم في نقص الخطّ، كما يشرف غيرهم بزيادته، وإنّ أمير المؤمنين أخصّ الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، والوارث لموضعه، والمتقلّد لنهيه ولأمره، فتعلّقت به المشابهة الجليلة، وتناهت إليه الفضيلة. فقال المأمون: يا محمد، لقد تركتني لا آسي على الكتابة ولو كنت أميّا.

قد ذكرنا من آلات الكتابة نثرا ونظما ما فيه كفاية وفي السادسة والعشرين من النظم في أوصاف الكتّاب ما يستحسن وينتظم بما أوردنا هنا.

وإنما أخرج الحريريّ رسالته الخيفاء من هذه الأوصاف المنظومة في الرسائل التي قدّمناها آنفا لما ذكره من أنّ جميع الكتّاب قطب لإنشائها وتاب، لما فيها من لزوم نقط لفظة وترك أخرى؛ وهي على ما بها من التكلّف، رائقة المعاني، أنيقة المباني، ولو غيره تعاطاها لأظلمت معانيها، وتداعت مبانيها، فلله هو! لقد كان منقادا له صعب الكلام بأيسر مرام! وما هو في محاولة البلاغة إلا كما قال حبيب في سليمان بن وهب: [الخفيف]

سرح نطقه إذا ما استمرّت ... عقدة العيّ في لسان الخطيب (٢)

ومصيب شواكل الأمر فيه ... مشكلات ملكن لبّ اللبيب

لا معنى بكلّ شيء ولا ك ... لّ عجيب في عينه بعجيب

***

الكرم- ثبّت الله جيش سعودك- يزين، واللّؤم- غضّ الدّهر جفن حسودك يشين، والأروع يثيب، والمعور يخيب، والحلاحل يضيف، والماحل يخيف،


(١) الأبيات في ديوان البحتري ص ٦٣٦.
(٢) الأبيات في ديوان أبي تمام ص ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>