للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نجوم سماء كلّما غار كوكب ... بدا كوكب تأوي إليه كواكبه

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتّى نظّم الجزع ثاقبه

وقال حسان بن ثابت: [الكامل]

بيض الوجوه مضيئة أحسابهم ... شمّ الأنوف من الطّراز الأوّل (١)

وزاد عليه في الإضاءة والإشراق حجيّة بن المضرّب فقال: [الطويل]

أضاءت لهم أحسابهم فتضاءلت ... لنورهم الشمس المنيرة والبدر

وزاد عليه أبو الطيب وعلى الناس في علوّ الهمة وتبعيد منازلها من منازل الكواكب، حيث يقول: [البسيط]

وعزمة بعثتها همّة زحل ... من تحتها بمكان التّرب من زحل

وزحل أرفع من الشمس ومن سائر الكواكب منزلة، وهذا من غلوّ المتنبّي الذي يخرج به عن الناس حتى يعاب، لأنه لو جعلها مع زحل في منزلة واحدة، كما جعل الحريري منزلته مع الشمس لكان قد بلغ النّهاية، وزاد على غيره، فلم يكتف بذلك حتى جعلها تعلو على زحل، كما يعلو زحل على الأرض. ومن هذا الإفراط في شعره كثير، وأكثر النقاد يعيبون عليه؛ وبعد هذا فمعجزاته في الشعر زاد بها على المتقدّمين والمتأخّرين عند الأكثر فلا يجاري في كثير منها.

واها: تعجّبا، كأنه قال: ما أعجب ما كان عيشي بها! عميمة: كثيرة. أسحب مطرفي: أجرّ ثوبي المعلم في طرفه إعجابا بنفسي. أختال: أمشي الخيلاء متكبّرا. برد الشباب: ثوب الفتوّة. أجتلي: أنظر. الوسيمة: الحسان. والنّوب والحوادث: النوازل والمصائب، كلّها بمعنى واحد، وهي ما ينوب الإنسان: أو يحدث عليه أو ينزل به، أو يصيبه من البلاء بعد العافية. المليمة: التي تأتي بما يلام عليه. كربي المقيمة: همومي الثابتة. مهجتي: نفسي، وأصلها دم القلب. تقتاده: تسوقه. برة: حلقة من صفر تجعل في وترة أنف البعير، يذلّل بها. الصّغار: الذّلّة. العظيمة: داهية يستعظم أمرها.

والهضيمة: المحقّرة لشأنه عند الناس، فيريد بالبهيمة البعير الذي يقاد ويذلّل بالبرة، وبالعظيمة سؤاله الناس، وبالهضيمة احتقارهم له إذا سألهم فيردونه خائبا. والسباع هنا:

الأسود. تنوشها: تتناولها وتخدشها.


(١) يروى صدر البيت:
بيض الوجوه كريمة أحسابهم
وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ١٢٢، ولسان العرب (طرز)، (أنف)، وتهذيب اللغة ١٣/ ١٧٨، ومقاييس اللغة ٣/ ٤٤٦، وتاج العروس (طرز)، (أنف)، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٧٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>