وزاد خالد الكاتب، فجعله لا يدرك إلا بالوهم، فقال: [البسيط]
يا من تجاهل عمّا كان يعمله ... عمدا وباح بسرّ كان يكتمه
غدا خليلك نضوا لا حراك به ... لم يبق من جسمه إلا توهّمه
فزاد ابن المعتزّ، وجعله يخفى على الموت، فقال: [البسيط]
مسهّد خانه التفريق في أمله ... أضناه سيّده ظلما بمرتحله
فدقّ حتى لو أن الدهر قاد له ... حتفا لما أبصرته مقلتا أجله
فأعدمه المتنبّي واستريح منه. فقال: [الطويل]
أراك حسبت السّلك جسمي فعقته ... عليك بدرّ عن لقاء التّرائب (١)
ولو قلم ألقيت في شقّ رأسه ... من السّقم ما غيّرت من خطّ كاتب
***
قال: فنهضت فيما أمر، لأدرأ عنه الغمر، ولم أهم إلى أنّه قصد أن يخدع، بإدخالي المخدع، ولا تظنّيت أنّه سخر من الرّسول، في استدعاء الخلالة والغسول.
فلمّا عدت بالملتمس، في أقرب من رجع النّفس، وجدت الجوّ قد خلا، والشّيخ والشّيخة قد أجفلا، فاستشطت من مكره غضبا، وأوغلت في إثره طلبا.
فكان كمن قمس في الماء، أو عرج به إلى عنان السّماء.
***
قوله: «أدرأ»، أي أزيل. الغمر: الودك. أهم: أظنّ، ويذهب وهمي. تظنّيت:
حسبت، وأبدل إحدى نوني «ظنّ» ياء تخفيفا للتضعيف. سخر: هزأ. الملتمس:
المطلوب. الجوّ هنا: داخل البيت. أجفلا: هربا وأسرعا. قوله: «استشطت»: اشتدّ غضبي. مكره: خداعه. أوغلت: بالغت وباعدت. قمس: غمس. عرج به: طلع به.
عنان بفتح العين: سحاب، والعنانة: السحابة، وأعنّت السماء: صار لها عنان، والله الموفّق للصواب.
(١) البيت في ديوان المتنبي ١/ ١٤٩.