للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبان: شجر تشبّه بقضبانه القدود الناعمة.

***

فقال الشّيخ: أيّد الله القاضي، كما أيّد به المتقاضي، إنّه كانت لي مملوكة رشيقة القدّ، أسيلة الخدّ، صبور على الكدّ، تخبّ أحيانا كالنّهد، وترقد أطوارا في المهد، وتجد في تمّوز مسّ البرد، ذات عقل وعنان، وخدّ وسنان، وكفّ ببنان، وفم بلا أسنان؛ تلدغ بلسان نضناض، وترفل في ذيل فضفاض، وتجلى في سواد وبياض، وتسقى ولكن من غير حياض، ناصحة خدعة، خبأة طلعة، مطبوعة على المنفعة، ومطواعة في الضّيق والسّعة، إذا قطعت وصلت، ومتى فصلّتها عنك انفصلت، وطالما خدمتك فجمّلت، وربما جنت عليك فآلمت وململت، وإنّ هذا الفتى استخدمنيها لغرض، فأخدمته إيّاها بلا عوض، على أن يجتني نفعها، ولا يكلّفها إلّا وسعها، فأولج فيها متاعه، وأطال بها استمتاعه، ثمّ أعادها إليّ وقد أفضاها، وبذل عنها قيمة لا أرضاها.

***

المتقاضي، أي المتحاكم إليه الذي يطلب من الحاكم قضاؤه، وعونه على خصمه؛ وهذا الغرض الذي ذكره ضرب من الألغاز، لأنه مشى كلامه في وصف جارية وغلام، وقد ضمّن الكلام وصف إبرة ومرود. مملوكة، يعني الإبرة جعلها مملوكة لأنها مما يتموّل. رشيقة القدّ: معتدلة القامة. أسيلة: ملساء. خدّ الإبرة: شقّ فيه ثقبها، وأصل الخدّ شقّ مستطيل في الأرض، والأسالة: ملاسة مع طول.

صبور على الكدّ، أي صابرة على المشقّة والتعب، وفعول- بمعنى فاعل- يمتنع من إلحاق الهاء به إذا وقع صفة لمؤنث، قال عنترة: [البسيط]

إنّي امرؤ سهل الخليقة ماجد ... لا أتبع النّفس اللّجوج هواها

ومنه: امرأة شكور وصبور ولجوج ولحّن أبو محمد خواصّ العراق بقولهم:

شكورة ولجوجة وصبورة، قال: إنّ هذه التاء إنما تدخل في «فعول» إذا كانت بمعنى «مفعول»، نحو ناقة ركوبة وشاة حلوبة. قال: وذكر النحويّون في امتناع الهاء من «فعول» بمعنى «فاعل» للمؤنث عللا، أجودها أن الصفات الموضوعة للمبالغة نقلت عن بابها لتدلّ على المعنى الذي تخصصت به، فأسقطت الهاء من صبور وفتاة معطار ونظائره؛ كما ألحقت بصفة المذكّر في رجل علّامة ونسّابة، ليدلّ على تحقيق المبالغة، وتؤذن بحدوث معنى زائد في الصفة. وامتناع الهاء المذكورة في أصل مطّرد [لم يشذّ منه إلا قولهم]: عدوّة، فإنهم ألحقوه بصديقة، والشيء في أصول العربية [قد] يحمل على ضدّه ونقيضه، كما يحمل على نظيره ورسيله.

<<  <  ج: ص:  >  >>