للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صنتني عن معاشر لا أسمّي ... أوّليهم إلّا غداة سبابي (١)

من جعاد الأكفّ غير جعاد ... وغضاب الوجوه غير غضاب

خطروا خطرة الجهام وساروا ... في نواحي الظنون سير السّحاب

وقال أيضا في نحوه: [الوافر]

وخلّفني الزمان على أناس ... وجوههم وأيديهم حديد (٢)

لهم حلل حسن بيض ... وأخلاق قبحن فهنّ سود

أناس لو تأمّلهم لبيد ... بكى الخلف الّذي يشكو لبيد

قوله «الدد»: ضد الجدّ، وهو اللهو واللعب، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لست من دد ولا الدّد مني» (٣)، أي لست من باطل ولا الباطل مني أجدى: نفع. الحظ: البخت والنصيب. والصدى: العطشان، وأراد أن حظّه في الدّنيا قليل، فهو سعى له ليجلب رزقا يكثر به حظه. ننفذ: نتمّم. أنكد: مشئوم وكل ما جلب شرّا فهو أنكد ونكد.

والمرصد: الموضع الذي ترتقب فيه من تريد أخذه، وقد رصدته رصدا ترقبته. يفاج:

يأت على غفلة، وأصله فاجأ بالهمز، فسهّله.

***

فقال له القاضي: لله درّك، فما أعذب نفثات فيك، وواها لك لولا خداع فيك، وإنّي لك لمن المنذرين، وعليك من الحذرين، فلا تماكر بعدها الحاكمين، واتّق سطوة المتحكّمين، فما كلّ مسيطر يقيل، ولا كلّ أوان يسمع القيل.

فعاهده الشّيخ على مشورته، والارتداع عن تلبيس صورته، وفصل عن جهته، والختر يلمع من جبهته.

قال الحارث بن همّام: فلم أر أعجب منها في تصاريف الأسفار، ولا قرأت مثلها في تصانيف الأسفار.

***

قوله: «لله درك»، أي ما أحسن كلامك، والدّرّ أصله اللبن، وكأنه سمّي بحكاية صوته عند الحلب. ولله، أصله القسم، ولا تدخل اللام في القسم إلّا على اسم الله تعالى، والتعجّب معها لازم، فإذا قال الذي يسمع صوت الحلب لصاحب الناقة: لله


(١) الأبيات في ديوان البحتري ص ٨٦.
(٢) ديوان البحتري ص ٥٨١.
(٣) رواه الزمخشري في الفائق في غريب الحديث ١/ ٣٦٤، بلفظ: «ما أنا من دد ولا الدّد «مني» وبنفس اللفظ رواه ابن الأثير الجزري في النهاية في غريب الحديث ٢/ ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>