للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سواريها يغصّ بها الجوّ صعودا لا يدري معناها، ولا لأيّ شيء وضعت إلا ما يتحدّث به أنه كان عليها من قديم الزمان مبان للفلاسفة وأهل الرّئاسة ومن أعظم عجائبها المنار، آية للمتوسّمين وهداية للمسافرين، لولاه ما اهتدوا في البحر إلى برّ الإسكندرية، ويظهر على أزيد من سبعين ميلا، ومبناه في نهاية العتاقة والوثاقة طولا وعرضا، يزاحم الجوّ سموّا وارتفاعا ينحصر عنه الوصف، وينحسر دونه الطّرف، الخبر عنه يضيق، والمشاهدة له تتسع، ذرعنا أحد جوانبه الأربع، فألفينا فيه نيّفا وخمسين باعا، ويذكر أن في طوله أزيد من مائة وخمسين قامة.

وأما داخله فمرأى هائل، اتساع معارج، ومداخل وكثرة مساكن حتى إن الوالج في مسالكه ربّما ضلّ، وفي أعلاه مسجد موصوف بالبركة، يتبرّك الناس بالصلاة فيه، طلعنا إليها، وشهدنا من شأن مبناه عجبا لا يستوفيه وصف واصف، والله تعالى لا يخليه من عزة الإسلام.

***

قوله «عشية عريّة»، أي باردة. يفضّه: يفرّقه. ذوي الفاقات: أهل الفقر والحاجات. عفرية: يقال رجل عفرية وعفرّ وعفرّيّ، إذا كان صحيحا شديدا موثّق الخلق، أخذ من عفر الأرض، وهو التراب، أي من علق به عفره بالأرض ومنه ليث عفرّين، أي ليث ليوث، معفّر لفريسته. قال الخليل: رجل عفر بيّن العفارة، إذا وصف بالشيطنة، والعفّير أيضا: الظّريف الكيّس، ويقال للشيطان: عفريت وعفرية، وهم عفارية. وقرئ: «قال عفرية من الجنّ»، وفي الحديث: «إن الله ليبغض العفريت النّفريت» (١)، قيل هو الجموع المنوع.

وقال أبو عثمان النّهديّ: دخل رجل عظيم الجسم على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له: متى عهدك بالحمّى. قال: ما أعرفها، قال فبالصّداع، قال: ما أدري ما هو! قال: أفأصبت بمالك؟ قال: لا، قال: أفرزئت بولدك؟ قال: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبغض العفريت النّفريت» (٢)، وهو الذي لا يرزأ في بدنه ولا يصاب في ماله.

وقوله: «تعتله»، أي تسوقه بعنف، وكذلك تدعّه. مصبية: لها صبيّ. جرثومة:

أصل، وكذلك أرومة. ميسمي: علامتي. الصّون: الصيانة والانقباض. شيمتي:

طبيعتي. الهون: الرفق. بون: بعد. بناة: جمع بان، والمجد: الشرف الضخم، وأصله من الإبل المواجد، وهي التي امتلأت بطونها من الرّعي وعظمت. وأمجدها راعيها، إذا رعاها بحيث تمجد، ومجدت وهي تمجد: رعت فامتلأت. وحكى الأصمعيّ قال: أتيت


(١) رواه ابن الأثير الجزري في النهاية في غريب الحديث ٥/ ٩٣، بلفظ: «إنّ الله يبغض العفرية النفرية» أي المنكر الخبيث. وقيل: النفرية والنفريت: إتباع للعفرية والعفريت.
(٢) راجع الحاشية السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>