العقل والصفاء. وقلّما تجد الخلق إلّا تبعا للخلقة، تناسبا يطّرد، وأصلا لا ينعكس، وإجماعا لا ينفرد، وما خلق الله نبيّا قطّ إلا وقد بهر أهل زمانه بحسنه وإحسانه؛ فإذا نظرته لأوّل وهلة رأيته أحسنهم صورة، وأتقنهم بنية، فهو أولى مرتبة، وأعلى منقبة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله لا يعذّب حسان الوجوه، سود الحدق».
وورد عليه وفد عبد القيس، وفيه غلام وضيء الوجه، فأقعده وراء ظهره، وقال:
إنما أتي أخي داود من النّظر.
وقد أكثر الشعراء في وصف الحسن؛ فمن أحسن ذلك ما قال عليّ بن بسّام؛ وكأنه يصف الفتى الذي ذكره الحريريّ: [الكامل]
يا من تسربل بالملاحة وارتدى ... فعليه تعتكف العيون إذا بدا
فيرى هلالا زاهرا ويرى قضي ... با ناضرا ويرى كثيبا أملدا
فإذا نهضت ترجرجا وإذا سفر ... ت تبلجا وإذا مشيت تأوّدا
فترى الجبين كتاج ملك زانه ... درّ تراه مفرّقا ومنضّدا
ويجول ذاك الرّشح في أقطاره ... كالياسمين جرى به قطر النّدى
الوجه فضيّ أحاط بوجنتي ... ذهب، فأنبت عارضين زبرجدا
وفم عقيقيّ تضمّن لؤلؤا ... رطبا ونظم فوق ذاك زمرّدا
ولأبي إسحاق الخفاجيّ: [الطويل]
وأغيد أهدى نرجسا من محاجر ... وثنى فأبدى سوسنا من سوالف
وقد ماج من عطفيه ماء شبيبة ... تعبّ ولا أمواج غير الرّوادف
تطلّع مثل الرمح بسطة قامة ... وفتكة ألحاظ ولين معاطف
ولابن وكيع: [الكامل]
يا من إذا لاحت محاسن وجهه ... غفرت بدائعها جميع ذنوبه
إن كان في تعذيب قلبي راحة ... لك فاجتهد بالله في تعذيبه
ولأبي إسحاق الخفاجيّ: [الكامل]
يا ربّ وضّاح الجبين كأنما ... رسم العذار بصفحتيه كتاب
تغرى بطلعته العيون ملاحة ... وتبيت تعشق عقله الألباب
خلعت عليه من الصبّاح غلالة ... تندى ومن شفق السّحاب نقاب
ولأبي نواس: [الطويل]
أساء فزادته الإساءة حظوة ... حبيب على ما كان فهو حبيب