فارحم أخاك فإنه ... نزر الكرى بادي السّقام
وأنله ما دون الحرا ... م فليس يرغب في الحرام
والولوع في الجمال سجيّة ركبها الله في الأولياء وأكابر العلماء، فمن دونهم من السّوقة والغوغاء. وعلى قدر ذكاء الأرض يطيب زرعها، وعلى قدر طيب التربة يطيب تبعها، فمنها العذب والأجاج وما بينهما، وعلى قدر شرف النفس يكون حبّها، فمنه المستحسن ومنه المستقبح. [الطويل]
* وكلّ إناء بالذي فيه ينضح*
في كتاب الوشاح: العشق إذا تزيّن بالعفاف فهو معنى شريف، ويتلو قوله تعالى:
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف: ٦٧]؛ فمن اتقى الله فهو خليل.
وذهبت طائفة من المتكلّمين البغداديين إلى أن الله تعالى إنما امتحن الناس بالهوى، ليأخذوا أنفسهم بطاعة من يهوونه، وليشقّ عليهم سخطه، ويسرّهم رضاه؛ فيستدلّوا بذلك على قدر طاعة الله تعالى لأنه لا مثل له ولا نظير، وهو خالقهم غير محتاج إليهم، ورازقهم مبتدئ المنن عليهم، فإذا أوجبوا على أنفسهم طاعة لسواه كان هو تعالى أولى أن يتّبع رضاه.
قالوا: ولا ينبغي للعاقل ولا للجاهل أن ينكر علاقة شخص بشخص، وحنين شكل إلى شكل، ومؤالفة إلف إلى إلف، فالقلوب صافية قابلة، والعيون إليها ناقلة.
وقالوا: لا عاشق على الأغلب إلا موفور النّعماء، مكفى كدّ المعيشة؛ لأنه من فراغ نفسه ورقّة حاشيته.
وقد قيل: إن جميلا وبثينة لو قعدا ليلتين دون غداء وعشاء لبزق كلّ واحد منهما في وجه صاحبه.
ومن شرط المعشوق أن يكون ممّن يؤيس ويطمع، ويستتر ويلمع، ويبدو ويحجب، ويلين ويصعب، ويرضى ويسخط، ويقرب ويشحط، كما قال أبو الطيب: [الكامل]
وأحلى الهوى ما شكّ في الوصل ربّه ... في الهجر فهو الدّهر يرجو ويتّقي (١)
وبين الرّضا والسخط والقرب والنّوى ... مجال لدمع المقلة المترقرق
والحسن أول سعادة المرء، ورائد اليمن، وسائق النّجح؛ لأن الله تعالى بلطف الحكمة، وبشرف الإبداع والصنعة، لم يخلق الصورة مختارة الصفات، سليمة من الآفات، إلّا عن فضل الاحتفاء، ولم يطابقها من الأخلاق إلّا بما يناسب جمالها من
(١) البيتان في ديوان المتنبي ٢/ ٣٠٤.