للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رداء الحسن ولا عموده ولا برنسه! قالت: وما ذاك؟ قال: عموده الشّطاط (١)، ورداؤه البياض، وبرنسه سواد الشعر.

وقالوا: الحلاوة في العينين، والجمال في الأنف، والحسن في الوجه، والملاحة في الفم.

وقال بعضهم: الظرف في القدّ، والبراعة في الجيد، والرّقة في الأطراف والخصر، والشأن كلّه في الكلام، والمدار على العقل.

وقال عليّ بن عبيد الريحانيّ: الحسن تناسب الصورة، وزينته اعتدال الحركة؛ ثم ما لا يحسن اللسان الترجمة عنه من خفّة الروح والقبول.

وسئل عن اختياره من الحسن، فقال: أمّا ما يمكن نعته فخلّتان وثلاثة بينهما، ليست من صفة اللسان تعجبني صورة أكثر نعتها الملاحة، وبراعة بفصاحة، والخلّة الثالثة نسميها مراح الروح وشكل النّفس وملهبة الشوق، وبمقدار تمكّن الثالثة من القلب يستحكم سلطان الهوى على العقل، فهذه زبدة هذا الباب.

وأحسن الحسن، ما لم يجلب بتزيين وتضييق، وتحلية وتزويق، وأطيب الطيب أنفاس عبقة من كبد سليمة، ومزاج معتدل، وثغر نقيّ، قال امرؤ القيس: [الطويل]

أم تراني كلّما جئت طارقا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب (٢)

ويحكى أن سيبويه كان يقرأ على الخليل بن أحمد منتقبا، لئلا يشغله بحسنه عن تعليمه. ومعنى «سيبويه» بالفارسية رائحة التفاح، وكان يقال: إنه أطيب الناس رائحة ومع تحفّظ الخليل وورعه، فكان إذا استأذن عليه سيبويه يقول: مرحبا بزائر لا يملّ.

وكان أبو حاتم السجستاني يختم القرآن في كل أسبوع، ويتصدّق كلّ يوم بدينار، ومع هذا الفضل كان يميل بحبّه إلى أبي العباس المبرّد، وكان أبو العباس يلزم حلقته وهو غلام وسيم، فقال فيه: [مجزوء الكامل]

ماذا لقيت اليوم من ... متمجّن خنث الكلام

وقف الجمال بوجهه ... فسمت له حدق الأنام

حركاته وسكونه ... يجنى بها ثمر الأثام

فإذا خلوت بمثله ... وعزمت فيه على اغترام

لم أعد أفعال العفا ... ف، وذاك آكد للغرام

نفسي فداؤك يا أبا ال ... عباس يا جلّ اعتصامي


(١) الشطاط: الطول وحسن القوام.
(٢) البيت في ديوان امرئ القيس ص ٤١، والأشباه والنظائر ٨/ ٨٥، ولسان العرب (ندل)، (محل).

<<  <  ج: ص:  >  >>