للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كاذب إلّا عجّل الله له العقوبة قبل ثلاث»، وها أنذا بين يدي أمير المؤمنين في قبضته، فإن مضت ثلاث ولم يحدث له حادث، فدمي حلال لأمير المؤمنين.

قال الفضل: فو الله ما صلّيت العصر من ذلك اليوم، حتى سمعت الصراخ من داره.

فدخلت عليه، فو الله ما كدت أعرفه: لأنه صار كالزّق العظيم، ثم اسودّ حتى صار كالفحم، فعرّفت الرشيد في الحين، فما انقضى كلامنا حتى عرفنا أنه قد مات، فبادرت بتعجيله، وتولّيت الصلاة عليه. فلما ووري في قبره انخسف به، وخرجت رائحة مفرطة النّتن، ومرّت أحمال شوك على الطريق، فأمرت بها فطرحت في قبره، فانخسف ثانية، فأمرت بألواح ساج، فطرحت على قبره وألقى التراب عليها، وانصرفت، وأعلمت الرشيد. فأكثر التعجّب، وأحضر موسى؛ فأعطاه ألف دينار، وقال له: لم عدلت عن اليمين المتعارفة عند الناس؟ فقال: أخبرت بالسند المتقدّم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حلف بيمين كاذبة مجّد الله فيها، استحيا الله من تعجيل عقوبته، ومن حلف بيمين كاذبة نازع الله فيه حوله وقوّته إلّا عجّل الله له العقوبة قبل ثلاث».

***

قوله: «التلاحي»، السّباب والتشاتم. عليّ رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لاحى الرجال سقطت مروءته وذهبت كرامته، وما زال جبريل ينهاني عن ملاحاة الرجال كما ينهاني من عبادة الأوثان» (١). وفي المثل: من لا حاك فقد عاداك.

يستعر: يتّقد. محجّة التراضي: أي طريق الرضا تعر: تصعب. وفي ضمن تأبّيه، أي في أثناء كلامه وامتناعه. يخلب: يخدع ويأخذ قلبه. تلوّيه: انعطافه يطمعه: يدعوه للطمع. يلبّيه: يجيبه لمراده. وران: غلب وغطّى. أبو هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أذنب العبد نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب صقلت، وإن عاد زادت حتى تعظم في قلبه، فذلك الران» (٢)، قال الله تعالى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ [المطففين: ١٤].

ألبّ: أقام. لبّه: عقله: سوّل: زيّن. الوجد: حرقه القلب. تيّمه: عبّده وذلّله، والمتيّم: المستعبد لهواه. توهمه: ظنه. يستخلصه: يختصه لنفسه. حبالة: آلة الصيد.

يقتنصه: يصيده؛ يقول: إنّ هذا الغلام في أثناء كلامه بالتمنع وترك الانقياد للشيخ يطمع الوالي في الانقياد له، وإنه إذا دعاه لما يريده منه أجابه، وإنما فعل هذا حين رأى إدامة نظر الوالي في وجهه، واستحسانه كلامه، ولو فسّر الوالي حال الغلام بمنظوم لأنشد:

[البسيط]


(١) روى ابن الأثير الجزري، في النهاية في غريب الحديث ٤/ ٢٤٣، الحديث بلفظ: «نهيت عن ملاحاة الرجال».
(٢) أخرجه بنحوه الترمذي في تفسير سورة ٨٣، باب ١، وابن ماجة في الزهد باب ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>