ثم طلعت جنازة فأمسك، وقال شيّبتني هذه الجنازة، فقلت: فلم تسابّ الناس؟
قال: يبدءونني، ثم لا أعفو، وأعتدي ولا أبتدي، ثم أنشأ يقول: [الوافر]
تروّعنا الجنائز مقبلات ... ونلهو حين تذهب مدبرات
كروعة هجمة لمغار ذئب ... فلمّا غاب عادت راتعات
وقال آخر: [الكامل]
وتعدّ كثرة من يموت تعجّبا ... عمّا قريب سوف تدخل في العدد
وأراك تحملهم ولست تردّهم ... وكأنني بك قد حملت ولا تردّ
قوله: «تعاصي الناصح البرّ»، أي تعاصي من ينصحك ويبرّك. تعتاص: تتصعب، وهو «تفتعل» من العصيان، على القلب. تزورّ: تنقبض. غرّ: خدع. مان: كذب، ونمّ:
مشى بالنميمة.
***
[الهزج]
وتسعى في هوى النّفس ... وتحتال على الفلس
وتنسى ظلمة الرّمس ... ولا تذكر ما ثم
ولو لاحظك الحظّ ... لما طاح بك اللّحظ
ولا كنت إذا الوعظ ... جلا الأحزان تغتمّ
ستذري الدّم لا الدّمع ... إذا عاينت ذا جمع
يقي في عرصة الجمع ... ولا خال ولا عمّ
كأنّي بك تنحطّ ... إلى اللّحد وتنغطّ
وقد أسلمك الرّهط ... إلى أضيق من سمّ
***
الرمس: القبر. لاحظك الحظّ: نظرك السعد. طاح بك: أذهبك وأهلكك، واللحظ: النظر بمؤخر العين، وقد لحظه لحظا ولاحظته ملاحظة، وكله من اللحاظ، وهو طرف العين ممّا يلي الصّدغ. وجلا: كشف. تذري: تصبّ وترسل متفرّقا.
أنس رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيّها النّاس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا، فإنّ أهل النار يبكون في النار حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول، حتى تنقطع الدموع فتسيل الدماء، فلو أن السفن أجريت في دموعهم لجرت» (١).
(١) أخرجه ابن ماجة الإقامة باب ١٧٦، والزهد باب ١٩.