متعرّضا للاستماحة، في معرض الوقاحة، فاختلب به أولئك الملأ، حتى أترع كمّه وملأ؛ ثمّ انحدر من الرّبوة، جذلا بالحبوة.
قال الراوي: فجاذبته من ورائه، حاشية ردائه، فالتفت إليّ مستسلما، وواجهني مسلّما، فإذا هو شيخنا أبو زيد بعينه ومينه، فقلت له: [الهزج]
إلى كم يا أبا زيد ... أفانينك في الكيد
لينحاش لك الصّيد ... ولا تعبا بمن ذم
***
قوله: «حسر»، أي كشف. ردنه: كمّه. الأسر: الخلقة، ومنه قوله تعالى:
وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ [الإنسان: ٢٨]، أي خلقهم، وهو من الإسار، وهو القدّ الذي يشدّ به الأسير، فشرك الجلد هي الإسار- ويراد بها في الخلقة العصب- التي يشتدّ بها الجسد وتلتئم بها الأعضاء، وإليها حكم حركة البدن من القيام والقعود، فسبحان الذي أنشأ الخليقة كيف شاء! الاستماحة: الطلب، استفعالة، من ماح الرجل يميحه إذا أعطاه، وأصل ذلك من المائح، وهو النازل في قعر البئر ليغرف ماءها ويفرّقه على دلاء المستقين، وقد ماحالبئر ميحا. الوقاحة: ترك الحياء وصلابة الوجه، من الحافر الوقاح وهو الصّلب. ومعرضها: موضع عرضها ونشرها، وإن كسرت الميم وفتحت الراء فهو ثوب الوقاحة، لبسه لأنّ المعرض الثوب الذي تعرض فيه الجارية للبيع، والوقاحة:
إظهار ذراعه صحيحا مشدودا عليه بخرق، ليوهم من رآه أنه مكسور. اختلب: خدع، واحتلب بالحاء: حلب ما عندهم كما تحلب الشاة. الملأ: الجماعة. أترع: ملأ.
انحدر: هبط، والرّبوة، لغة في الرّباوة التي تقدّمت. جذلا: مسرورا. الحبوة: العطيّة.
جاذبته: نازعته. مينه: كذبه. أفانينك: أنواع كذبك وحيلك. ينحاش: ينضمّ ويجتمع، وحشت الصيد أحوشه، إذا جئته من حواليه لتصرفه إلى الحبالة. لا تعبأ، أي لا تبالي، من عبّأت الحلم للجهل، والخيل للحرب إذا أعددته، وإذا لم يبال بالشيء لم يستعدّ له.
***
فأجاب من غير استحياء، ولا ارتياء، وقال: [الهزج]
تبصّر ودع اللّوم ... وقل لي هل ترى اليوم
فتى لا يقمر القوم ... متى ما دسته تمّ!
فقلت له: بعدا لك يا شيخ النّار، وزامله العار، فما مثلك في طلاوة علانيتك، وخبث نيّتك، إلّا مثل روث مفضّض، أو كنيف مبيّض.