للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونذكر هنا حكاية مضحكة تزيد المعادلة بيانا، كان المعتصم يأنس بعليّ بن الجنيد الإسكاف، وكان عجيب الصّورة والحديث، فقال المعتصم لابن حماد: اذهب إلى ابن الجنيد، وقل له: يتهيّأ ليزاملني، فأتاه فقال له: تهيأ لمزاملة أمير المؤمنين، فإنّ مزاملة الخلفاء كبيرة، فقال: كيف أتهيّأ لها؟ أصيب رأسا غير رأسي! أشتري لحية غير لحيتي! قال ابن حمّاد: شروطها الامتناع عن الحديث والمذاكرة والمنادمة، وألّا تبصق ولا تسعل ولا تمخط ولا تتنحنح، وأن تتقدّم في الركوب إشفاقا عليه من الميل، وأن يتقدّمك في النزول، فمتى لم يفعل هذا المعادل كان ومثقلة الرصاص التي تعدل بها القبّة واحدا، فقال لابن حماد: اذهب قل له ما يزاملك إلا من أمّه زانية. فرجع إلى المعتصم وأعلمه، فضحك وقال: عليّ به، فلما جاء قال: يا عليّ، أبعث إليك أن تزاملني فلا تفعل! فقال له: إن رسولك هذا الأرعن جاءني بشروط حسّان السامي وخالويه الحاكمي، فقال: لا تبصق ولا تعطس، وجعل يقرقع بصاداته، وهذا لا أقدر عليه؛ فإن رضيت أن زاملك، فإذا جاءني الفساء والضراط فسوت وضرطت، وإلا فليس بيني وبينك عمل. فضحك المعتصم حتى فحص برجليه، وقال: نعم زاملني على هذه الشروط، فسار ساعة فلمّا توسط البرّ، قال: يا أمير المؤمنين، قد حضر ذلك المتسامح، قال: ذلك إليك، قال:

يحضر ابن حمّاد، فحضر، فناوله كمّه، وقال أجد في كمّي دبيب شيء، فانظر ما هو، فأدخل رأسه فشمّ رائحة الكنيف، فقال: ما أرى شيئا، ولكني أعلم أن في جوف ثيابك كنيفا، والضّحك قد ذهب بالمعتصم كلّ مذهب، وابن الجنيد يفسو فساء متّصلا، ويقول لابن حماد: قلت: لي: لا تسعل أو لا تمخط، فخريت عليك، ثم قال: قد نضجت القدر، وأريد أخرى، فأخرج المعتصم رأسه من العماريّة حين كثر عليه الضحك، وصاح: ويلك يا غلام، الأرض: الساعة أموت! .

قوله: «فصمنا»، أي قطعنا وحللنا والعرا: عيون من شريط أو غيره يشدّ بها فم الخرج أو العدل، واحدها عروة. والرّبائث: العلق، واحدها ربيثة، وهو ما يثبّت الإنسان ويحبسه عن أمر يريده، وقد ربثتك عن الأمر ربثا، وتربّثت أنا تربّثا، إذا تثبطت. ألغينا:

اطّرحنا. اتقاء: خوف. العابث: الذي يعبث بأموالهم من أهل الشر فيفسدها، والعابث:

المفسد، ويقال: عبث بفتح الباء عبثا: وبكسرها عبثا: لعب واستخف، وعاث عيثا:

أفسد.

***

ولمّا عكمت الرّحال، وأزف التّرحال، استنزلنا كلماته الرّاقية، لنجعلها الواقية الباقية، فقال: ليقرأ كلّ منكم أمّ القرآن، كلّما أظلّ الملوان. ثم ليقل بلسان خاضع، وصوت خاشع: اللهمّ يا محيي الرّفات، ويا دافع الآفات، ويا واقي المخافات، ويا كريم المكافاة، ويا موئل العفاة، ويا وليّ العفو والمعافاة، صلّ

<<  <  ج: ص:  >  >>