للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإني لأرجو الله حتى كأنّني ... أرى بجميل الظنّ ما الله صانع

***

ثمّ سرنا نزجي الحمولات، بالدّعوت، لا بالحداة، وبحمى الحمولات، بالكلمات لا بالكمماة، وصاحبنا يتعهّدنا بالعشيّ والغداة، ولا يستنجز منّا العدات، حتى إذا عاينّا أطلال عانة، قال لنا: الإعانة الإعانة، فأحضرناه المعلوم والمكتوم، وأريناه المعكوم والمختوم، وقلنا له: اقض ما أنت قاض، فما تجد فينا غير راض، فما استخفّه سوى الخفّ والهين، ولا حلي بعينه غير الحلي والعين. فاحتمل منهما وقره، وناء بما يسد فقره، ثم خالسنا مخالسة الطّرّار، وانصلت منّا انصلات الفرّار فأوحشنا فراقه، وأدهشنا امتراقه، ولم نزل ننشده بكلّ ناد، ونستخبر عنه كلّ مغو وهاد، إلى أن قيل: إنه مذ دخل عانة، ما زايل الحانة.

***

قوله: «نزجي»، أي نسوق. الحمولات، بفتح الحاء: الإبل، وبضمها الأحمال.

الحداة: خدمة الإبل، بمنزلة المكارين للدوابّ. نحمي: نمنع الكماة: الشجعان.

يتعهّدنا: يتفقّدنا. يستنجز: يطلب إحضار ما وعد به عانة، بعين غير منقوطة: قرية بالجزيرة كثيرة الأعناب.

وقال امرؤ القيس: [الكامل]

* من خمر عانة أو كروم شبام* (١)

وأطلالها: آثارها، يريد أنه لمّا أشرف على عانة، قال لهم: أعطوني ما أستعين به.

المعلوم: الظاهر. والمكتوم: المستور. والمعكوم: المجعول في عكم، قال يعقوب:

العكم: نمط تجعل فيه المرأة ذخيرتها، أو يكون المعكوم المشدود بالعكام، وقد تقدّم آنفا، والمختوم: المطبوع عليه، يريد: أريناه أنواع أموالنا. استخفّ: استحقر. الخف:

الخفيف. الهين: الهين. حلي: حسن. الحلي: ما يتحلّى به النّساء. والعين: الذهب والفضة، يريد أنه استحقر الخفيف القدر الهيّن القيمة، مثل الإمتاع، وشبهها فتركها، وأعجبه الحليّ والذهب فحملهما، أو يكون معنى «استخفّ» وجده خفيفا، والخفّ والهين، يريد الخفيف عليه حمله، الهيّن عليه نقله؛ يريد الذهب والجوهر، ويكون قوله


(١) صدره:
أفق كلون دم الغزال معتق
والبيت في ديوان امرئ القيس ص ١١٥، وهو بلا نسبة في مقاييس اللغة ١/ ١٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>