فملأ له الخمّار قدحا من خمرة كأنها العقيق، فشربه، وقال: ارفع من هذا أريد، قال: أي نوع تريد؟ قال: التي يقول فيها الشاعر: [الكامل]
فإذا حسا منها الوضيع ثلاثة ... سمح الوضيع كفعل ذي القدر
في لون ماء المزن إلا أنّها ... بين الضّلوع كواقد الجمر
فملأ له الخمّار قدحا من خمرة بيضاء، كأنها ماء المزن، فشرب الحسن، وقال للخمّار: أتعرفني؟ قال: إي والله يا سيّدي، أنا أعرف الناس بك، قال: فمن أنا؟ قال:
أنت الذي يسكر من غير وزن، فضحك الحسن، وقال لمطيط: ادفع إليه ما معك من النّفقة، فأعطاه مائة درهم وانصرف.
وقال أبو عثمان الناجم: دخلت على أبي العباس عبد الله بن المعتزّ، وهو مخمور طيّب النفس، فقال: يا أبا عثمان، أنشدني ما شئت حتى أعارضك بأحسن منه أو مثله، فأنشدته لأبي نواس: [البسيط]
وعاشق دنف نبّهته سحرا ... فقام للرّاح والتذكار مصطبحا
ودارت الخمر من صهباء صافية ... فما احتسى قدحا حتى بكى فرحا
ففكّر ساعة، وضحك وقال: [البسيط]
وقهوة كشعاع الشمس صافية ... مثل السّراب ترى في قعره شبحا
إذا تعاطيتها لم تدر من لطف ... راحا بلا قدح أعطيت أم قدحا
وقالوا: ما دراريع الخزّ والسّمور بأدفأ من الشراب للمصرور والمقرور.
وقال بعضهم: كنت في منتزه لي، وإذا شيخ منيخ على علوة معه صبيّ في يوم بارد، فكنت أسمع الصبيّ يقول للشيخ: أعطني فروتي، فيناوله شيئا لا أتبيّنه، فبعثت غلامي ينظر إليه. فإذا عند الشيخ قنّينة، كلّما طلب الصبيّ فروته سقاه قدحا.
قال: وأنشدوا للهدهد الأصبهانيّ: [السريع]
إنّا أناس حسن ديننا ... لبيعنا الآجل بالعاجل
إذا شربنا خمسة خمسة ... فقد لبسنا الفرو من داخل
وقال عمرو الضبابي: [الرجز]
أعددت للّيل إذا الليل برد ... خابيتين من طلاء قد ركد
* فتطرد الهمّ وتكفيك الصّرد*
وقال آخر: [الطويل]
إذا هبّت الأرواح فاجعل دثارها ... إذا التحف الأقوام دكن المطارف