ثلاثة أرطال شرابا معتقا ... تكنّ آمنا منها ولست بخائف
فإنّ دثار المرء من تحت جلده ... أخفّ وأدنى من دثار الملاحف
قال الجاحظ: جلست عجوز من العرب إلى فتيان يشربون، فسقوه قدحا فطابت نفسها، ثم سقوها آخر فاحمرّ وجهها وضحكت، ثم سقوها قدحا ثالثا، فقالت: خبروني عن نسائكم بالعراق، أيشربن من هذا الشراب؟ قالوا: نعم، قالت: زنين وربّ الكعبة، والله لا يدري أحدكم من أبوه.
وسقي أعرابيّ قدحا من شراب، ولم يكن يعرفه، فحرّكته الأريحيّة، فسألوه عنها، فقال: والله ما أدري ما. هي! غير أنّي أراكم تحبّبون إليّ وأراني أسرّ بكم، وما وهب إليّ أحد منكم شيئا.
ومرّ أعرابيّ بقوم يشربون، فدعوه، فنزل وعقل بعيره. وشرب معهم، فلمّا أخذ منه الشراب، قام إلى بعيره فنحره، وشوى لهم من كبده وسنامه، ثم رفع عقيرته يتغنّى: [الوافر]
علّلاني إنما الدّنيا علل ... واسقياني، عللا بعد نهل
بادرا باللهو يوما صالحا ... ودعاني من عتاب وعذل
وانشلا ما اغبّر من قدريكما ... واسقياني أبعد الله الجمل
وقال إسحاق الموصليّ: سقيت أعرابيّا نبيذا، فقال: ما على هذا شيء، يطيّب النفس، ويطرد الحزن، ويمنّي الخير، ويعد الغنى، ثم أنشأ يقول: [الوافر]
ألا خذها كماء الزّعفران ... رمتها بالنّحول يد الزّمان
تصوغ إذا علاها الماء طوفا ... من الياقوت فصّل بالجمان
وتترك من أراد الشرب منها ... صحيح الجسم منكسر اللّسان
كأنّ الشمس طالعة بكفّي ... إذا أخذت زجاجتها بناني
ومرّ الفرزدق بالحكم بن المنذر بن الجارود؛ فاستسقاه ماء، فقال: هلّا لبنا يا أبا فراس؟ قال: ذلك إليك، فملأ له عسّا من خمر، وأمر فحلبت عليه لقحة، فصعدت الرّغوة فوق الشراب، وأتاه به، فشربه حتى صكّ بالعسّ جبهته، وانتفخت أوداجه، واحمرّت عيناه، فمسح سباله، وقال: جزاك الله خيرا، فإنك ما زلت تخفي الصّدقات ونعمّا هي! .
ودخل الأخطل على عبد الملك، فقال: ليت شعري، ما يعجبك من إدمان الخمر، وأوّلها التقطيب والكراهة، وآخرها السّكر والسفاهة! فقال: ولكن بينهما حالة ما يسرّني بها ملكك، هذا نظمه الشاعر، فقال: [الخفيف]
إن يكن أول المدام كريها ... ويكن آخر المدام صداعا