فلها بين ذا وذاك هناة ... وصفها بالسرور لن يستطاعا
وأنشد ابن قتيبة لأبي محجن الثقفي: [الطويل]
إذ متّ فادفنّي إلى جنب كرمة ... تروّي عظّامي بعد موتي عروقها
ولا تدفننّي بالفلاة فإنني ... أخاف إذا ما متّ ألّا أذوقها
قال: فأخبرني من رأى قبره بأرمينية، أنه بين شجرات الكروم، والفتيان يشربون عندها، وينشدون شعره، وإذا جاء قدحه صبّوه على قبره.
ومنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه أهل الشام شرب الخمر. فقال شاعرهم: [الطويل]
ألم تر أنّ الدّهر يعثر بالفتى ... ولا يملك الإنسان صرف المقادر
صبرت ولم أجزع وقد مات إخوتي ... وما أنا عن شرب المدام بصابر
رماها أمير المؤمنين بحتفها ... فخلّانها يبكون حول المعاصر
ورأى ذؤيب السّلمي خمرا أهراقها السلطان، فقال: [الخفيف]
يا لقومي لما أتى السلطان ... لا يكن للذي أهانوا هوان
سكبوا في التّراب من حلب الكرو ... م عقارا كأنّها الزعفران
سكبت في مكان نحس لقد صا ... دف سعد السّعود ذاك المكان
كيف صبري عن بعض نفسي وهل يص ... بر عن بعض نفسه إنسان!
ولمّا انهمك الوليد بن يزيد في الشّراب والتبذّل مع الندماء، اجتمع وجوه بني أميّة، فلاموه وعنّفوه، فقال لهم اسمعوا ما عندي: [الخفيف]
أشهد الله والملائكة الأب ... رار والعابدين أهل الصّلاح
أنني أشتهي السماع وشرب الرّا ... ح والعضّ في الخدود الملاح
والنّديم الكريم والخادم الفا ... ره يسعى عليّ بالأقداح
وظريف الحديث والكاعب الطّف ... لة ترتجّ في سموط الوشاح
انصرفوا، فيئسوا منه، فدبّروا في إفساد دولته.
ودخل على المأمون عمرو بن مسعدة ورجل من الفقهاء، وبين يديه جام زجاج فيه رطل شراب، فمدّ به يده المأمون إلى الرجل، فقال: يا أمير المؤمنين، والله ما شربتها ناشئا فلا تسقنيها شيخا، فردّ يده إلى عمرو، فأخذها منه، وقال: الله الله يا أمير المؤمنين، إني آليت في الكعبة ألّا أشربها؛ ففكر طويلا والكأس في يد عمرو، ثم قال: [الكامل]
ردّا عليّ الكأس إنّكما ... لا تعلمان الكأس ما تجدي
لو ذقتما ما ذقت ما مزجت ... إلا بدمعكما من الوجد