فلا تغضبن ... ولا تعجبن
ولا تعتبن ... فعذري وضح
ولا تعجبن ... لشيخ أبنّ
بمغنى أغنّ ... ودنّ طفح
فإنّ المدام ... تقوّي العظام
وتشفي السّقام ... وتنفي التّرح
***
قوله: «دهائي»، أي تشيطني ومكري، السّبح، جمع سبحة، وقد تقدمت تصخبن:
ترفعنّ صوتك بالصياح. تعتبن: تلومنّ، وضح: ظهر، أبنّ: أقام. مغنى: منزل، أغنّ:
كثير الأشجار، فإذا هبّت الريح فيها سمعت لها غنّة، ومن هذا قولهم: روضة غنّاء، لأن صوت الرّيح يخرج من بين أشجارها، وعشبها أغنّ.
ومن فسّرها بأن الذباب يغني فيها، فهو صحيح في المعنى فاسد في التصريف، لأن يغني أصله (غ ن ى) وأغنّ أصله (غ ن ن) فيريد بالمغنى الأغنّ منزلا كثير الأشجار.
وفسّره بعضهم كثير الأهل، والأول أولى.
طفح: امتلأ خمرا، المدام: الخمر، وقوله: «تقوّي العظام، وتسفي السّقام» وقد تجاوز هنا قوم حتى جعلوها من العاهات؛ قال الأقيشر- ويروي لأبي نواس: [الطويل]
ومقعد قوم قد مشى من شرابنا ... وأعمى سقيناه ثلاثا فأبصرا
كميت كأن العنبر الورد ريحها ... إذا شمّها الحاني من الدّن كبّرا
توقّد في أيدي السقاة كئوسها ... إذا ما رآها صائم القوم أفطرا
وقال آخر: [الطويل]
أبا هاشم هل لي سبيل إلى التي ... أرى شربة منها قواما لأحدب
وقوله: «وتنفي الترح»، أي تزيل الحزن.
وقال الحسن بن هانئ في أن الخمر تزيل الحزن والهم: [البسيط]
دع عنك لومي فإنّ اللوم إغراء ... وداوني بالتي منها بي الدّاء
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ... لو مسّها حجر مسّته سرّاء
قامت بإبريقها والليل معتكر ... فظل من وجهها في البيت لألاء
وأرسلت من فم الإبريق صافية ... كأنّما أخذها بالعقل إعفاء
رقّت عن الماء حتى لا يلائمها ... لطافة وجفا عن شكلها الماء