فدع العواذل لا يق ... فن عليك من دون الصّدور
واعلم بأنّك راجع ... حقّا إلى ربّ غفور
قوله: «الغرام»، شدة الحب، المستهام: الذي حمله الحبّ على أن يهيم، أي يذهب ولا يدري أين يتوجه. افتضح: اشتهر، يقول: أصفى ما يكون السرور إذا أزال الوقور ثياب الحياء واطرحها عنه، وأحلى ما يكون العشق إذا أزال العاشق الكتم وشهر نفسه به، ومن هذا قول أبي نواس: [الطويل]
ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر ... ولا تسقني سرّا إذا أمكن الجهر
ويح باسم من تهوى ودعني من الكنى ... فلا خير في اللّذات من دونها ستر
قوله: «زند أساك»، الزند: الذي يقدح به النار، والأسى: الحزن، يقول: يردّ قلبك بذكر من تهوى، فإنك إن رمت كتمه قدح به زند حزنك.
ونحو هذا ما يحكى أن أبا الفضل الدّارميّ، كان له هوى بغلام، فإذا رآه أنكر حبّه، والغلام يعرف شدّة وجده به، فدمعت يوما عينا أبي الفضل، فقال له الغلام: دمعك شاهد عليك، فقال: [الطويل]
وهبني قد أنكرت حبّك جملة ... وآليت أني لا أروم محطّها
فمن أين لي في الحبّ جرح شهادة ... سقامي أملاها، ودمعي خطّها!
وقال المتنبي: [البسيط]
وكاتم الحبّ يوم البين منهتك ... وصاحب الدّمع لا تخفى سرائره (١)
والشعر في هذا كثير، وكله تبع لقول العباس بن الأحنف: [الخفيف]
لا جزى الله دمع عيني خيرا ... وجزى الله كلّ خير لساني
نمّ دمعي فليس يكتم شيئا ... ورأيت اللّسان ذا كتمان
كنت مثل الكتاب أخفاه طيّ ... فاستدلوا عليه بالعنوان
أما الاشتهار الذي ذكر فإنما يأخذ به أهل التّماجن ومن لا بال له، وأما أهل المروءات والتّصاون، فغايتهم إعلام المحبوب بشأنهم، وكتمه عن النّاس، وذلك شديد، ولا يقوم به إلا من كمل عقله، وأما أن يكتمه عن محبوبه كحكاية أبي الفضل، فأشدّ أحوال هذا الباب أن يكون لمحبوبك أصحاب يألفهم ويألفونه، فيعلمون بشأنك كما فعل أبو الأصبغ بن رشيد المرتكيّ، أنشدنيه الفقيه أبو الحسن بن زرقون: [المتقارب]
أبا قاسم إن قسمت الهوى ... كئوسا فحظّي أوفى الكئوس
(١) البيت في ديوان المتنبي ٢/ ١١٥.