للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستملح من كلام الحريريّ أنه أراد بالراكب وبأنفع صاحب التمر، لأنه قدّمه في التفسير حين قال: لعلّك تعني ابنة نخيلة، مع لبإ سخيلة، وليس في الأبيات المتقدمة شاهد على اللّبأ، لأن حكم الزبد للزوجة، وتعلقه بالتمرة غير حكم اللبأ، فبالحرى يقرن اللّبأ بالتمر إذا شقّت، وجعله أضرّ مصحوب لأنه لبن لم ينضج، والنار تقطع بعض ضرره.

وقال الفنجديهيّ: أزهى راكب التمر، أي أحسن منظرا وأكثر حمرة، وأشهى مركوب اللّبأ وجعل التمر راكبا واللّبأ مركوبا، لأنّ التّمر يجتنى من رءوس النخل، فهو كالراكب، ولأن اللّبأ يضع تمرات فوق اللّبأ والرائب، ليزيد رغبة المشتري فيه. وجعل التمر أنفع صاحب، لاكتفاء العرب به عن جميع المطعومات، حتى يبقى أحدهم دهرا لا يأكل إلا التمر، ولا يضرّه ذلك، وجعل اللبأ أضرّ مصحوب، لأنه يولّد الصفراء.

وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: إنا كنا آل محمد صلى الله عليه وسلم نمكث شهرا لا نستوقد نارا؛ إن هو إلا الأسودان: الماء والتمر (١).

وقال صلى الله عليه وسلم: «بيت لا تمر فيه جياع أهله» (٢).

والعرب تستحسن أكل الزّبد مع التمر، قال سفيان الثوريّ: ما رأيت أحسن من زبدة على إزادة.

وقال معاوية لعبد الرحمن بن أبي بكر: أيّ اللقمة أطيب؟ قال: تعضوضة عليها مثلها زبدا، والإزاد نوع من التمر، والتّعضوض تمر أسود.

وقالوا: ما أكلنا تمرا أحمد من التّعضوض، أي أشد حلاوة، وتاؤه زائدة.

***

فأفكر ساعة طويلة، ثم قال: لعلّك تعني بنت نخيلة، مع لبإ سخيلة، فقلت:

إيّاهما عنيت، ولأجلهما تعنّيت، فنهض نشيطا، ثمّ ربض مستشيطا، وقال: اعلم أصلحك الله، أن الصدق نباهة، والكذب عاهة؛ فلا يحملنّك الجوع الذي هو شعار الأنبياء، وحلية الأولياء على أن تلحق بمن مان، وتتخلّق بالخلق الذي يجانب الإيمان، فقد تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها، وتأبى الدنيّة ولو اضطرّت


(١) روي بطرق وأسانيد متعددة، أخرجه البخاري في الهبة باب ١، والرقاق باب ١٧، والأطعمة باب ٦، ٤١، ومسلم في الزهد حديث ١٠، ١٢، وأحمد في المسند ١/ ١٦٤، ٤/ ١٩، ٥/ ٤٢٩، ٦/ ١٠٨، ١٨٢، ٢٣٧.
(٢) أخرجه مسلم في الأشربة حديث ١٥٣، وأبو داود في الأطعمة باب ٤١، والترمذي في الأطعمة باب ١٧، وابن ماجة في الأطعمة باب ٣٨، والدارمي في الأطعمة باب ٢٦، وأحمد في المسند ٦/ ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>