ومن وصيّته لأصحابه: إذا دخلتم عرسا، فلا تلتفتوا إلى الملاهي، وتخيّروا المجالس، وإن كان العرس كثير الزحام، فليمض أحدكم ولا ينظر في عيون الناس، ليظنّ أهل الرجل أنه من أهل المرأة، وأهل المرأة أنه من أهل الرجل، وإن كان البواب فظّا وقحا، فليبدأ به فليأمره ولينهه من غير عنف، ولكن بين النصيحة والإدلال.
وقال بنان الطفيليّ: التمكن على المائدة خير من ثلاثة ألوان.
وسئل بنان: هل تحفظ من كتاب الله تعالى شيئا؟ قال: نعم، آية. قيل: وما هي؟
قال: قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا [الكهف: ٦٢] قيل: أتحفظ شيئا من الشعر؟
قال: بيتا واحدا، قيل: ما هو؟ قال: [البسيط]
نزوركم لا نكافئكم بجفوتكم ... إن الكريم إذا ما لم يزر زارا
وبعده: [البسيط]
يقرّب الشوق دارا وهي نازحة ... من عالج الشوق لم يستبعد الدارا (١)
وقال أبو الورد المحاكمي في طفيلي: [الوافر]
طفيلي يؤم الخبز أنّى ... يراه ولو يراه على يفاع
ولا يروي من الأخبار إلّا: ... «أجيب ولو دعيت إلى كراع»
وقال طفيلي أيضا: [الخفيف]
نحن قوم إذا دعينا أجبنا ... ومتى ننس يدعنا التّطفيل
ونقل علّنا دعينا فغبنا ... وأتانا فلم يجدنا الرّسول
وأقبل طفيليّ إلى طعام لم يدع إليه، فقال صاحب الطعام: من دعاك؟ فأنشده:
[السريع]
دعوت نفسي حين لم تدعني ... فالحمد لي لا لك في الدعوه
وكان ذا أحسن من موعد ... مخلفه يدعو إلى الجفوه
ودخل طفيليّ في صنيع رجل من القبط، فقال له: من أرسل إليك؟ فأنشأ يقول:
[البسيط]
أزوركم لا أكافيكم بجفوتكم ... إن المحبّ إذا ما لم يزر زارا
فقال: «زر زارا»، ليس ندري من هو؟ أخرج من بيتي!
وقال آخر في طفيليّ كوفيّ: [الطويل]
زرعنا فلمّا سلّم الله زرعنا ... وأوفى عليه منجل لحصاد
(١) البيتان للعباس بن الأحنف في العقد الفريد ٦/ ٢٢١.