بلينا بكوفيّ حليف مجاعة ... أضرّ علينا من دبي وجراد
وحدّث آدم الطويل، قال: دخل حانوتيّ غريب يأكل شيئا من الطعام فتقدّم سائل، فقلت له: ما أكثر تردّدك إليّ! فقال الغريب الذي في الحانوت: لعلّه كما قال الشاعر:
[السريع]
لو طبخت قدر بمطمورة ... أوفى ذرا قصر بأعلى الثّغور
وكنت بالصين لوافيتها ... يا عالم الغيب بما في القدور!
حكى المبرّد قال: كان بالبصرة طفيليّ مشهور، وكان ذا أدب وظرف، فمرّ بسكة النّخع بالبصرة على قوم عندهم وليمة، فاقتحم عليهم، وأخذ مجلسه مع من دعي، فأنكره صاحب المنزل فقالوا له: لو تأنّيت أو صبرت يا هذا قبل الدخول حتى يؤذن لك، كان أحسن لأدبك، وأعظم لقدرك، وأجلّ لمروءتك؛ فقال: إنّما اتّخذت البيوت ليدخل فيها، ووضعت الموائد ليؤكل عليها، والحشمة قطيعة، واطّراحها صلة.
وجاء في الآثار: صل من قطعك، وأعط من منعك، وأحسن إلى من أساء إليك.
وأنشد: [الخفيف]
كلّ يوم أدور في عرصة الدا ... ر أشمّ القتار شمّ الذباب
فإذا ما رأيت آثار عرس ... أو دخانا أو دعوة الأصحاب
لم أعرج دون التقحّم لا أر ... هب شتما أو لكزة البوّاب
مستهينا بمن دخلت عليه ... غير مستأذن ولا هيّاب
ذاك أهنا من التكلّف والغر ... م وشتم البقّال والقصّاب
كان بالبصرة طفيليّ يكنى أبا سلمة، وكان إذا بلغه خبر وليمة، لبس لبس القضاة، وأخذ ابنيه معه، عليهما القلانس الطّوال والطيالسة، فيتقدم أحدهما فيدقّ الباب، ويقول:
افتح يا غلام لأبي سلمة، ثم لا يلبث حتى يلحقه الآخر، فيقول: افتح ويلك! قد جاء أبو سلمة، ويتلوهما، فإن لهم يعرفهم البوّاب فتح لهم، وإن عرفهم لم يلتفت إليهم، ومع كلّ واحد منهما فهر مدوّر يسمّونه كيسان، فينتظرون من دعي، فإذا جاء وفتح له طرحوا الفهر في العتبة، حيث يدور الباب، فلا يقدرون على إغلاقه فيهجمون ويدخلون.
فأكل أبو سلمة يوما على بعض الموائد لقمة حارّة من فالوذج، وبلعها بشدّة حرارتها، فتجمّعت أحشاؤه، فمات على المائدة، فقال عبد الصمد بن المعدل يرثيه:
[البسيط]
أحزان نفسي عنّي غير منصرمه ... وأدمعي من جفون العين منسجمه
على صديق ومولى لي فجعت به ... ما إن له في جميع الصالحين لمه
كم جفنة مثل دور الحوض مترعة ... كوماء جاء بها طباخها رذمة