للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد كلّلتها شحوم من قليّتها ... ومن سنام جزور عبطة سنمه

غيبت عنها فلم تعلم لها خبرا ... لهفي عليك وعولي يا أبا علمه

ولو تكون لها حيا لما بعدت ... يوما عليك ولو في جاحم حطمه

قد كنت أعلم أن الأكل يقتله ... لكنني كنت أخشى ذاك من تخمه

إذا تعمم في شبليه ثم غدا ... فإن حوزة من يأتيه مصطلمه

***

وقلت لهم: أتقبلون نزيلا يطلب جنى الأسمار، لا جنيّ الثّمار، ويبغي ملح الحوار، لا ملحاء الحوار، فحلّوا لي الحبا، وقالوا: مرحبا مرحبا، فلم أجلس إلّا لمحة بارق خاطف، أو نغبة طائر خائف، حتّى غشينا جوّاب، على عاتقه جراب، فحيّانا بالكلمتين، وحيّا المسجد بالتّسليمتين، ثم قال: يا أولي الألباب، والفضل اللّباب، أما تعلمون أن أنفس القربات، تنفيس الكربات، وأمتن أسباب النّجاة، مواساة ذوي الحاجات. وإنّي ومن أحلّني ساحتكم، وأتاح لي استماحتكم، لشريد محلّ قاص، وبريد صبية خماص، فهل في الجماعة، من يفثأ عنّا حميّا المجاعة؟

فقالوا له: يا هذا، إنّك حضرت بعد العشاء، ولم يبق إلا فضلات العشاء، فإن كنت بها قنوعا، فما تحد فينا منوعا، فقال: إنّ أخا الشدائد، ليقنع بلفاظات الموائد، ونفاضات المزاود. فأمر كلّ منهم عبده، أن يزوّده ما عنده.

***

قوله: «نزيلا» أي ضيفا. الأسمار: المذاكرة بالليل. وجناها: ما يجنى من فوائدها. يبغي: يطلب. ملح الحوار: مليح الكلام، والحوار: مراجعة القول. ملحاء الحوار: لحم سنام الفصيل. الحبا: جمع حبوه، وكانت العرب ليس لها في البوادي حيطان تستند إليها في مجتمعهم، فكان الرجل يقيم ركبتيه في جلوسه، فيضع عليها أو يدير بهما ثوبا، ويعقد عليهما يديه، ويستريح إليها، ويقوم ذلك له مقام الاستناد، فيقال لذلك العقد: الحبوة، فأراد أنّهم حلوا له الحبا إكراما له. لمحة بارق: لمعة برق.

خاطف: يخطف العين بسرعة فيمنعها النظر. نغبة: جرعة. غشينا: دخل علينا فجأة.

جوّاب: قطاع للأرض بمشيه. العاتق: ما بين المنكب والعنق. جراب: وعاء للخبز الكلمتين: سلام عليكم. التسليمتين: سلامه عند الدخول وسلامه من الركعتين. وتحية المسجد: أن يركع الداخل فيه ركعتين، وقيل: التسليمتين تسليمة من صلاة المغرب وتسليمة من الركعتين اللّتين بعدها. الألباب: الأذهان اللّباب: الخالص. أنفس: أرفع.

<<  <  ج: ص:  >  >>