أتاني هدوّ وعين الرّقي ... ب مطروفة بالكرى الغامر
وأحبب به يسعف الهاجعين ... وتحرمه مقلة السّاهر
وعهدي بتمويه عين المحبّ ... تنمّ على قلبه الطّائر
فلمّا التقينا برغم الرّقا ... دموّه قلبي على ناظري
قال الرضيّ: قلت هذه الأبيات سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، وتداول أهل الأدب إنشادها، واستغربوا هذا المعنى، وشهدوا أنه مخترع لم يسمع، فلما تصفّحت ديوان شعر أبي سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وجدت بخطه في الجزء الثاني من شعره:
[الخفيف]
إن طيف الخيال زار طروقا ... والمطايا بين القنان وشعب
زارني واصلا على غير وعد ... وانثنى هاجرا على غير ذنب
كان قلبي إليه رائد عيني ... فعلى العين منّة للقلب
كان عندي أنّ الغرور لطرفي ... فإذا ذلك الغرور لقلبي
فلا أدري: هل قصد نظمها حتى لا يخلي شعره من هذا المعنى، أو أنسي سماعه مني، وقذف به خاطره، وكثيرا ما يلحق الشعراء ذلك، فيتواردون في بعض المعاني المسبوق إليها، وقد كانوا سمعوها فأنسوها؛ والخواطر مشتركة، والمعاني معترضة لكل خاطر، وكيفما جرى الأمر فالعنصر واحد.
***
ثم قال: اخزنها في تامورك، واقتد بها في أمورك، وبادر إلى صحبك، في كلاءة ربّك، فإذا بلغتم، فأبلغهم تحيّتي، واتل عليهم وصيّتي، وقل لهم عنّي: إنّ السّهر في الخرافات، لمن أعظم الآفات، ولست ألغي احتراسي، ولا أجلب الهوس إلى رأسي.
قال الرّاوي: فلمّا وقفنا على فحوى شعره، واطّلعنا على نكره ومكره، تلاومنا على تركه، والاغترار بإفكه.
ثمّ تفرّقنا بوجوه باسرة، وصفقة خاسرة.
***
قوله: «اخزنها في تامورك»، أي اجعلها في قلبك، والتّامور: حجاب القلب، وقيل: دم القلب. كلاءة: حفظ وكلأه يكلؤه: حفظه.
الخرافات: أحاديث اللهو والأباطيل، قال الخليل: الخرافة الحديث المستملح في