للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المخلوقين، فحليته بها تحلية لعاطله، ومنبّهة على صدق قائله؛ وهو ما رويته من عدّة طرق: أن عروة هذا وفد على هشام بن عبد الملك في جماعة من الشعراء، فلما دخل عليه عروة قال له ألست القائل:

لقد علمت وخير القول أصدقه ... الأبيات.

وأراك قد جئت تضرب من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق! فقال له: لقد وعظت يا أمير المؤمنين فبالغت في الوعظ، وأذكرت ما أنسانيه الدهر. وخرج من فوره إلى راحلته فركبها، ثم نصّها نحو الحجاز.

فمكث هشام يومه غافلا عنه، فلمّا كان من الليل تعارّ (١) على فراشه، فذكره فقال:

رجل من قريش قال حكمة، ووفد إليّ اليوم، فجبّهته ورددته عن حاجته! وهو مع هذا شاعر، لا آمن ما يقول. فلما أصبح سأل عنه، فأخبر بانصرافه، قال: لا جرم، ليعلم أنّ الرزق سيأتيه، ثم دعا بمولى له، فأعطاه ألفي دينار، وقال: الحق بهذا، أين أدركته فأعطه إياها.

قال: فلم يدركه إلا وقد دخل بيته، فقال: أبلغ أمير المؤمنين السلام وقل له كيف رأيت!

***

قوله: «الحزامة»: جودة الرأي، والحازم: الجامع لرأيه، المحكم لأموره وأصل الحزم الجمع والشدّ، ومنه الحزمة، وحزمت المتاع جمعته وشددته، ومنه الحزام لأنه يشدّ به وقد حزم الرجل: صار حازما.

الزّمام: مقود البعير.

المثالب: المساوي، وثلبه: ذكره بسوء. التطلّب: البحث، يريد أن البحث عن عيوب الناس من أكبر العيوب، قال رجل للمستورد الخارجيّ: أريد غلاما عيّابا، قال:

التمسه بفضل معايب فيه.

وكان يقول: أوّل ما يدلّ على عائب الناس معرفته بالعيوب.

ومعاوية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّك إن اتّبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت تفسدهم» (٢).

أبو الدرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله بها: «مرّ المسيح صلوات الله عليه بقوم من اليهود، فقالوا له شرّ، فقال خيرا، فقيل له في ذلك، فقال:

كلّ ينفق مما عنده».


(١) تعارّ على فراشه: أي تقلب على فراشه في النوم.
(٢) أخرجه أبو داود في الأدب باب ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>