أي معوّجة. فأجمع على الخروج منها، وأعمل الحيلة في بيع ماله، وألّا بنكر الناس عليه، فقال لابنه: إني صانع طعاما، وداع إليه أهل مأرب، فاردد عليّ ما أقول لك من الحديث، ففعل ابنه ذلك وردّ عليه بأقبح ردّ، فصاح عمرو: وا ذلاه! يجيبني صبيّ! فحلف ألا يقيم ببلد ضيم فيه، فجعل يبيع أمواله.
وبعضهم يقول لبعض: اغتنموا غضبة عمرو، واشتروا منه قبل أن يرضى، فلما اجتمعت له أمواله، أخبرهم بشأن السّيل، فأجمعوا على الجلاء، فقال لهم عمران أخوه:
إني أصف لكم بلدانا، فاختاروا أيّتها شئتم ... فمن كان منكم ذا همّ بعيد، وجمل غير شرود، فليلحق بالشّعب من كرود، فلحق به همدان.
ثم قال: ومن كان منك ذا سياسة وصبر، على أزمات الدهر، فليلحق ببطن مرّ؛ فلحق به خزاعة.
ثم قال: ومن كان منكم يريد الراسخات في الوحل المطعمات في المحل، فليلحق بيثرب ذات النخل. فنزلها الأوس والخزرج.
ثم قال: ومن كان منكم يريد الخمر والخمير، والأمر والتأمير، فليلحق ببصرى وسدير، وهي من أرض الشأم، فنزلها غسّان.
ثم قال: ومن كان منكم يريد الثياب الرّقاق، والخيل العتاق، والذهب والأوراق، فيلحق بالعراق، فلحق بها مالك بن فهم بن الأزد.
وتخلّف مالك بن اليمان في قومه، حتى أخرجهم السيل فنزلوا نجران، وانتسبوا إلى مذحج.
ودخلت جماعة منهم إلى معدّ فأخرجتهم معدّ بعد حروب، فنزلوا بجبال السّراة على تخوم الشأم.
فلمّا تفرّقت في البلاد هذا التفرّق، ضربت العرب بهم المثل، فقالوا: ذهبوا أيدي سبأ وأيادي سبا، أي متفرّقين في كل ناحية.
وقيل فيهم: إنهم كانوا مجتمعين يدا واحدة، فلما مزّقهم الله وفرّقهم، صارت يدهم أيادي متفرّقة، وأخذ كل طائفة منهم طريقا على حدة. أو يريد به النعمة، فالمعنى:
تفرّقنا كما تفرّقت نعم أهل سبأ.
الزّجاج: سبأ مدينة تعرف بمأرب على ثلاث ليال من صنعاء.
الجوهري: سبأ اسم رجل سمّيت به البلدة.
وذكر في الدرة أن لفظة التفرّق تستعمل في الأشخاص والأجسام، نحو تفرّق