بصل، فقال له العتابي: أما النسبة فمعروفة، وأما الاسم فمنكور، فقال له إسحاق: ما أقلّ إنصافك، أو ما كلثوم من الأسماء! فالبصل أطيب من الثوم! فقال له العتابي: قاتلك الله، ما أملحك! ما رأيت كالرجل حلاوة، أيأذن أمير المؤمنين في صلته بما وصلني، فقد والله غلبني؟ فقال له المأمون: بل ذلك موفور عليك، وأمر له بمثله. فانصرف إسحاق إلى منزله، ونادمه العتابي بقية يومه.
وكانت هشيمة الخمّارة تجيد الشراب، فلما ماتت قال يرثيها: [الكامل]
أضحت هشيمة في القبور مقيمة ... وخلت منازلها من الفتيان
كانت إذا هجر الحبيب محبّه ... دبت له في السرّ والإعلان
حتّى يلين لما تريد قياده ... ويصير سيئه إلى الإحسان
وهو إسحاق بن إبراهيم بن ماهان، أصله فارسيّ، وترك ماهان إبراهيم صغيرا فنشأ في بني تميم.
وهذا الذي ذكرنا نبذة من أدبه.
وأما محاسنه في الغناء فلا يأتي عليها الحصر، قال الواثق: ما غنّاني إسحاق قطّ إلا ظننت أن قد زيد في ملكي؛ وإن إسحاق نعمة من نعم الملك، التي لم يحظ أحد بمثلها؛ لو أن له العمر والنشاط ممّا يشتري لاشتريتهما بشطر ملكي.
وحدّث حمّاد ابنه قال: حدثني أبي قال: غدوت يوما وأنا ضجر من ملازمة دار الخليفة. فركبت بكرة عازما أن أطوف في الصّحراء، وأتفرّج، وقلت لعلمانيّ: إن جاء رسول الخليفة فعرفوه أني ركبت في مهمّ ومضيت، وطفت ما بدا لي، وغدوت، وعدت، وقد حمي النّهار، فوقفت في ظلّ جناح شارع لأستريح، فلم ألبث أن خادم جاء يقود حمارا فارها عليه جارية تحتها منديل دبيقيّ. وعليها من اللباس الفاخر ما لا غاية وراءه، فرأيت لها شمائل ظريفة وطرفا فاترا، فحدّثت أنها مغنية، فدخلت الدار التي كنت عليها واقفا، فعلقها قلبي علوقا شديدا لم أستطع معه براحا، وأقبل رجلان شابان، لهما هيبة تدلّ على قدرهما، وهما راكبان، فأذن لهما فحملني حبّ الجارية وحسن حالهما أن توسلت بهما، فدخلت معهما، فظنّا أن صاحب الدار دعاني، وظن هو أني معهما، فجلسنا، وأتي بالطعام فأكلنا، وجيء بالشراب، فخرجت الجارية، وفي يدها عود، فرأيت جارية حسناء، فغنت غناء صالحا، فتمكّن ما في قلبي منها، وشربنا. ثم قمت للبول، فسألهما صاحب المنزل عني، فأنكراني، فقال: هذا طفيلي، ولكنه ظريف، فأجملوا عشرته، فجئت وجلست فغنّت في لحن لي: [الطويل]
ذكرتك أن مرّت بنا أمّ شادن ... أمام المطايا تشرئبّ وتسنح
من المؤلفات الرّمل أدماء حرّة ... شعاع الضّحى في وجهها يتوضّح