فأدّته أداء صالحا. ثم غنّت أصواتا فيها من صنعتي:[مجزوء الخفيف]
الطّلول الدوارس ... فارقتها الأوانس
أوحشت بعد أنسها ... فهي قفر بسابس
فكان أمرها فيه أصلح من الأوّل، ثم غنّت من صنعتي في شعري:[الخفيف]
قل لمن صدّ عاتبا ... ونأى عنك جانبا
قد بلغت الّذي أرد ... ت وإن كنت لاعبا
واعترفنا بما ادّعي ... ت وإن كنت كاذبا
فكان أصلح ممّا غنته، فاستعدته منها لأصحّحه. فأقبل عليّ أحد الرجلين، فقال:
ما رأيت طفيليّا أصفق وجها منك، لم ترض بالتّطفيل حتى اقترحت! وهذا تصديق المثل، «طفيلي وقد يقترح»، فلم أجبه. وكفّه صاحبه عني، فلم ينكفّ، ثم قاموا للصّلاة فأخذت عود الجارية، وأصلحته إصلاحا محكما. وعدت إلى موضعي، فصلّيت، ثم عادوا، فعاد ذلك الرجل في عربدته عليّ، وأنا صامت، فأخذت الجارية عودها، وجسّته، فقالت: من جسّ عودي؟ فقالوا: ما جسّه أحد، فقالت: والله لقد جسّه حاذق متقدّم، وشدّ طبقته، فقلت لها: أنا أصلحته، فقالت: بالله عليك خذه، واضرب به، فأخذته منها وضربت مبدأ طريق عجيب صعب، فيه نقرات محكمة، فما بقي منهم أحد إلا وثب، وجلس بين يدي، وقالوا: بالله يا سيدي، تغنّي؟ قلت: نعم، وأعرّفكم بنفسي أنا إسحاقي الموصليّ، والله إني لآتيه على الخليفة وأنتم تشتمونني منذ اليوم لأني تملّحت معكم بسبب هذه الجارية! وو الله لا نطقت بحرف ولا جلست معكم، أو تخرجوا هذا المعربد الغثّ، ونهضت لأخرج. فتعلّقوا بي وتعلّقت الجارية بي، فقلت: والله لا أجلس إلا أن يخرج؛ فقال له صاحبه: من شبه هذا حذرت عليك، فأخرجوه، فغنّيت الأصوات الّتي غنّتها الجارية من صنعتي؛ فطرب صاحب البيت طربا شديدا، وقال لي: هل لك في أمر أعرضه عليك؟ فقلت: ما هو؟ فقال: تقيم عندي شهرا، والجارية مع ما عليها لك، فقلت: أفعل، فأقمت عنده ثلاثين يوما لا يعرف أحد أين أنا، والمأمون يطلبني.
فجئت بذلك منزلي بعد شهر، وركبت إلى المأمون، فقال لي: يا إسحاق، ويحك! أين تكون؟ فعرّفته الخبر فقال: عليّ بالرجل الساعة، فعرّفتهم موضعه فأحضره، وقال:
أنت رجل ذو مروءة وسبيلك أن تعاون عليها، فأمر له بمائة ألف درهم، ونهاه ألّا يعاشر ذلك المعربد النّذل، وأمر لي بخمسين ألفا، وقال: أحضر لي الجارية، فأحضرتها فغنته، فقال: قد جعلت لها نوبة في كلّ يوم ثلاثاء؛ تغنّي مع الجواري، وأمر لها بخمسين ألف درهم. فربحت والله تلك الرّكبة وأربحت.
وتشبه هذه الحكاية حكاية إبراهيم بن المهدي، إذ شفع للمأمون في طفيليّ قد