تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ [الشعراء: ١٣٦]. وقالوا: يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ [هود: ٥٣] الآيات، واستكبروا ولم يؤمنوا، فحبس عنهم القطر ثلاث سنين حتى جهدوا.
فأوفدوا وفدا يستسقون لهم، فبعثوا قيل بن عنز، ونعيم بن هزّال، ومرثد بن سعد، وكنيته أبو سعد، وجلهمة بن الخبيريّ، ولقمان بن عاد، ومع كلّ رجل منهم رهط من قومه، فلما قربوا من مكة نزلوا على معاوية بن بكر العقيليّ- وكانوا أخوالا له وصهراء- فأنزلهم وأكرمهم شهرا، يشربون الخمر وتغنّيهم قينتان له يقال لهما:
الجرادتان. فلما رأى معاوية طول مقامهم عنده؛ وقد بعثهم قومهم للبلاء الّذي نزل بهم شقّ عليه ذلك، وقال: هلك أصهاري وأخوالي، والله ما أدري ما أصنع بهم! وإني أستحي أن آمر بالخروج من عندي فيظنون أنه ضاق بي مقامهم عندي، فقال شعرا وأعطاه للجرادتين فغنّتاهم به، وهو: [الوافر]
ألا يا قيل ويحك قم فهيم ... لعلّ الله يصبحنا غماما (١)
فيسقي أرض عاد إنّ عادا ... قد امسوا لا يبينون الكلاما
وإنّ الوحش تأتيهم جهارا ... فلا تخشى لعاديهم سهاما
وأنتم هاهنا فيم اشتهيتم ... نهاركم وليلكم التّماما
فقبّح وفدكم من وفد قوم ... ولا لقّوا التحيّة والسلاما
فقال بعضهم لبعض: إنما بعثكم قومكم لما نزل بهم، فادخلوا الحرم. فاستسقوا، فقال مرثد بن سعد: والله لا تسقون حتى تطيعوا نبيكم، فقال له جهلمة: [الوافر]
أبا سعد وإنّك من قبيل ... ذوي كرم وإنّك من ثمود
أتأمرنا لنترك دين رفد ... وزمل آل صدّ والوفود
ونترك دين آباء كرام ... ذوي رأي ونتبع دين هود!
فإنّا لا نطيعك ما بقينا ... ولسنا فاعلين لما تريد
ثم قال لمعاوية: امسك مرثدا عنا، لا يدخلنّ مكة معنا وهو على دين هود.
فدخلوا مكة، وخرج مرثد، فأدركهم قبل أن يدعوا، فقال: اللهمّ لا تدخلني في شيء ممّا يدعوك به وفد عاد.
وقيل: قال: اللهمّ إن كان هود صادقا فاسقنا، فقد هلكنا، فأنشأ الله سحائب ثلاثا:
بيضاء، وحمراء وسوداء، ونودي من السحائب: يا قيل، اختر لنفسك ولقومك، قال:
لقد اخترت السّحابة بالسوداء، لأنها أكثر السحاب ماء فنودي: اخترت رمادا رمددا، لا
(١) البيت الأول بلا نسبة في كتاب العين ٤/ ٦٠.