يبقي من عاد أحدا، فساق الله سبحانه وتعالى السحابة السوداء إلى عاد فاستبشروا، وقالوا: هذا عارض ممطرنا، فسخرت عليهم سبع ليال ريح صرصر، فلم تدع منهم أحدا إلّا هلك.
ولما خرجت الريح عليهم، قال سبعة منهم: تعالوا نقف على شفير الوادي فثرّدها، فجعلت الريح تأخذ الواحد منهم فترميه حتى يدقّ عنقه، فتركتهم كما قال الله تعالى:
كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ [الحاقة: ٧]. واعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة، ما يصيبهم منها إلا نسيم يلين البشرة، وتلذّه الأنفس، وإنها لتمرّ من عاد بالظعن بين السماء والأرض.
ورجع وفد عاد، فنزلوا على معاوية، فأتاهم راكب على ناقة في الليلة الثالثة من مصابهم، فأخبرهم الخبر، فقالوا: وأين فارقت هود؟ فقال: بساحل البحر، وخيّروا حين دعوا بمكة لأنفسهم، فقال لقمان: يا ربّ أعطني عمرا، فعمّره الله عمر سبعة أنسر، يأخذ الفرخ إذا خرج من بيضته فيغذّيه حتى يموت، ثم يأخذ آخر حتى بقي السابع، فقال له ابن أخيه: ما بقي من عمرك؟ قال: عمر هذا النّسر، وهو لبد- ولبد بلسانهم- الدّهر.
فلما لم يستطع لبد النهوض مع النسور، أيقن لقمان بالموت، فماتا جميعا.
واختار قبل أن يصيبه ما أصاب قومه، فاقتلعته الريح فقتلته.
وقال مرثد: يا رب أعطني برّا وصدقا وعمر هود، فعمّر مائة وخمسين سنة.
***
ثمّ أمر خادمه بنقلها إلى مثواه، ليحكم فيها بما يهواه.
فأقبل علينا أبو زيد، وقال: اقرءوا سورة الفتح، وأبشروا باندمال القرح؛ فقد جبر الله ثكلكم، وسنّى أكلكم، وجمع في ظلّ الحلواء شملكم، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.
ولمّا همّ بالانصراف، مال إلى استهداء الصّحاف، فقال للآدب: إن من دلائل الظّرف، سماحة المهدي بالظّرف، فقال: كلاهما لك والغلام، فاحذف الكلام، وانهض بسلام. فوثب في الجواب، وشكر شكر الرّوض للسّحاب.
***
قوله:«مثواه»، أي منزله. وقال: اقرءوا سورة الفتح، أي لأن الله سبحانه وتعالى قد فتح عليكم. اندمال القرح: الجرح. جبر: أصلح. ثكلكم: حزنكم على فقدكم الحلواء بسببي، والحلواء: كل طعام عولج بحلاوة، وتمدّ وتقصر. شملكم: عددكم المفترق. وفي معنى الآية قال بعضهم:[الكامل]