ثم قال لي: خرّق رقعة مانويّة، فخرقنها، ثم مضيت فلقيت عرددا المصاب، وحوله الصبيان، وهو يلطم وجهه، ويقول: يا أيها الناس، الفراق مرّ المذاق، فقلت: يا أبا محمد، من أين أقبلت؟ فقال شيّعت الحاجّ إذ كان لي فيهم سكّن، وقلت في ذلك:
[الطويل]
هم ارحلوا يوم الخميس غديّة ... وودعتهم لمّا استقلّوا وودّعوا
فلما تولّوا ولّت النّفس معهم ... فقلت: ارجعي قالت: إلى أين أرجع؟
إلى جسد ما فيه لحم ولا دم ... وما هو إلّا أعظم تتقعقع
وعينان قد أعماهما الحزن والبكا ... وأذن عصت عذّالها ليس تسمع
وجعيفران من مجانين الكوفة، أعطاه رجل درهما، وقال له: قل شعرا على قافية الجيم، فقال بديها: [مجزوء الخفيف]
عادني الهمّ فاعتلج ... كلّ همّ إلى فرج
سلّ عنك الهموم بال ... كأس والراح تنفرج
وهو القائل: [المجتث]
ما جعفر لأبيه ... ولا له بشبيه
أضحى لقوم كثير ... فكلّهم يدّعيه
هذا يقول بنيّي ... وذا يخاصم فيه
والأمّ تضحك منهم ... لعلمها بأبيه
وقال ماني: [البسيط]
من الظّباء ظباء عمّها السّحب ... وحليها الدّرّ والياقوت والذّهب
يا حسن ما سرقت عيني وما انتهبت ... والعين تسرق أحيانا، وتنتهب
إذا يد سرقت فالحدّ يقطعها ... والحدّ في سرق العين لا يجب
وله أيضا: [الطويل]
له وجنات في بياض وحمرة ... فحافاتها بيض وأوساطها حمر
رقاق يجول الماء فيها كأنّها ... زجاج أجيلت في جوانبها الخمر
وأشعار المجانين في هذا الباب أكثر من أن تحصى.
***
فاقتعدت مهريّا، واعتقلت سمهريّا، وسرت تلفظني أرض إلى أرض، ويجذبني رفع من خفض، حتّى بلغتها نقضا على نقض. فلمّا أنخت بمغناها