للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخصيب، وضربت في مرعاها بنصيب، نويت أن ألقي بها جراني، وأتّخذ أهلها جيراني، إلى أن تحيا السّنة الجماد، وتتعهّد أرض قومي العهاد، فو الله ما تمضمضت مقلتي بنومها، ولا تمخّضت ليلتي عن يومها، دون أن ألفيت أبا زيد السّروجيّ يجول في أرجاء نصيبين، ويخبط بها خبط المصابين والمصيبين، وهو ينثر من فيه الدّرر، ويحتلب بكفّيه الدّرر. فوجدت بها جهادي قد حاز مغنما، وقدحي الفذّ قد صار توأما، ولم أزل أتبع ظلّه أينما انبعث، وألتقط لفظه كلّما نفت، إلى أن عراه مرض امتدّ مداه، وعرقته مداه، حتى كاد يسلبه المحيا، ويسلمه إلى أبي يحيى.

***

قوله: «اقتعدت مهريّا»، أي ركبت بعيرا منسوبا إلى مهرة، قبيلة من قضاعة، إبلهم أنجب الإبل، زعموا أنه كان يلقّحها الوحش، وهي إبل متوحّشة صغار بيض، تكون بين عمان والشّحر، وتزعم العرب إنها إبل الجن لسرعتها، فبقيت أنسالها في بني مهرة. قال أبو عبيدة: المهريّة من الإبل تسير أربعمائة ميل كل يوم، ثم نسبت العرب إلى مهرة كل بعير نجيب.

اعتقلت: حبست، والاعتقال: أن تحبس الرّمح بين ركابك وساقك تلفظني:

ترميني. رفع: مرتفع: خفض: منخفض. يجذبني: يسوقني لنفسه. نقضا على نقض:

هزيل على هزيل؛ وأخذ هذا اللفظ من قول أبي الشيص يصف شدّة السير: [الكامل]

أكل الوجيف لحومهم ولحومها ... فأتوك أنقاضا على أنقاض

ولقد أتتك على الزمان سواخطا ... فرجعن عنك وهنّ عنه رواضي

وقال حبيب في معناه: [الطويل]

وركب يساقون الرّكاب زجاجة ... من السّير لم تقصد لها كفّ قاطب (١)

وقد أكلوا منها الغوارب بالسرى ... وصارت لها أشباحهم كالغوارب

ولحبيب أيضا: [الطويل]

وركب كأمثال الأسنّة عرّسوا ... على مثلها والليل تسطو كواكبه (٢)

على كلّ روّاد الملاط تهدّمت ... عريكته العلياء وانضمّ جانبه

رعته الفيافي بعد ما كان حقبة ... رعاها، وماء المزن ينهلّ ساكبه


(١) البيتان في ديوان أبي تمام ص ٤١.
(٢) الأبيات في ديوان أبي تمام ص ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>