للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكم جزع واد جبّ ذروة غارب ... وبالأمس كانت أتمكته مذائبه

قوله: «أنخت» بركت. مغناها: موضع سكناها. نويت: قصدت. جراني صدري، والجران: باطن عنق البعير، يقول: لما أخذ نصيبا في مرعاها، أضمر أن يقيم بها ريثما يأتي أرضه المطر. الجماد: التي لا مطر فيها. تتعهد: تتفقّد وتزور. العهاد. كثرة المطر.

وتمضمضت العين بالنوم، إذا خالطها ودبّ فيها، وتمخّضت المرأة: أضرّ بها وجع الولادة، وتقول: تمخّضت المرأة عن زوجها إذا حملت بالولد عنه، وتمخضت بولدها إذا تحرّكت به ودنت ولادتها، وإذا استعير هذا المعنى لليلة صار تمخّضها عن اليوم السابق لها، كأن اليوم ألقي في الليلة ما كان فيه من الحيوان فتحرّكت به؛ فيريد أنه لم ينقص يومي الذي وردت فيه نصيبين حتى وجدت فيه أبا زيد قبل أن أدخل في ليلتي، ولأجل هذا قال قبل هذا: تمخّضت مقلتي بنومها، أراد أنه لقيه قبل الليلة التي ينام فيها، ولو قال: تمخضت بيومها للزم أن يكون اليوم الذي يأتي بعدها، كأنّها كانت تحمله فتلده إذا طلع صبحه من حيث إنه متصل بها، ولو جعلت «عن» بمعنى الباء لانقلب إلى هذا المعنى، وإنما دل الكلام على صحة المعنى الأوّل، وأصله المخض بالتّحريك، ومنه:

مخضت اللبن مخضا، حرّكته لإخراج زبده، ومخضت المرأة وتمخّضت: تحرّك ولدها ليخرج، ثم يستعار ذلك للأيام وغيرها، فأما استعارة حمل الولد فكقول عمرو بن حسان في النعمان: [الوافر]

أجدّك هل رأيت أبا قبيس ... أطال بقاءه النّعم الرّكام (١)

تمخّضت المنون له بيوم ... أتى، ولكلّ حاملة تمام

النّعم الركام: الإبل الكثيرة، وصفّر قابوس، تصغير الترخيم، وجعل المنيّة حاملا باليوم الذي هلك فيه وجعل اليوم ولدها على جهة الاستعارة، وقال حبيب في معناه:

[البسيط]

حتى إذا مخّض الله السّنين لها ... مخض الحليبة كانت زبدة الحقب (٢)

فهذه استعارة من مخض اللبن، أراد أن السنين تحرّكت لهذه البلدة، أي كانت تمرّ عليها فلا تنالها بمكروه حتى وجدها المسلمون كالزّبدة في حسنها ولذّتها فأكلوها باستباحة من فيها.


(١) البيت الأول لعمرو بن حسان في لسان العرب (كثر)، (مخض)، (طوق)، والبيت الثاني لعمرو بن حسان في حاشية يس ٢/ ٢٨٦، وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص ٣، ٣٤٢، والإنصاف ٢/ ٧٦٠، وجمهرة اللغة ص ٦٠٨، وشرح عمدة الحافظ ص ٧٣٦.
(٢) البيت في ديوان أبي تمام ص ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>