للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أنت وحدك مكسوّا ثياب ضنى ... بل كلّنا لك من مضنى ومشحوب

ألقى عليك يدا للضّرّ كاشفة ... كشاف ضرّ نبيّ الله أيوب

***

قال الراوي: وكنت فيمن التفّ بأصحابه، وأغذّ إلى بابه، فلمّا انتهينا إلى فنائه، وتصدّينا لاستنشاء أنبائه، برز إلينا فتاه، مفترة شفتاه، فاستطلعنا طلع الشّيخ في شكاته، وكنه قوى حركاته، فقال: قد كان في قبضة المرضة، وعركة الوعكة، إلى أن شفّه الدّنف واستشفّه التّلف، ثمّ منّ الله تعالى بتقوية ذمائه، فأفاق من إغمائه. فارجعوا أدراجكم، وانضوا انزعاجكم، فكأن قد غدا وراح، وساقاكم الرّاح. فأعظمنا بشراه، واقترحنا أن نراه، فدخل مؤذنا بنا، ثمّ خرج آذنا لنا، فلقينا منه لقى، ولسانا طلقا، وجلسنا محدقين بسريره، محدّقين إلى أساريره.

***

قوله: «أغذ»، أي أسرع. تصدّينا: تعرّضنا. الاستنشاء: الاستطلاع. أنبائه:

أخباره. برز: خرج. مفترة: ضاحكة. استطلعناه: سألناه أن يطلعنا. طلع الشيخ في شكاته: خبر مرضه. كنه: حقيقة. عركه الوعكة: شدة المرضة، وعركت الشيء: دلكته بيديك وحككته، ووعكته الحمّى: كسرته. وشفّه الدنف: أضعفه المرض ونقص جسمه استشفّه: استقصى بقية قوته. ذمائه: قوى نفسه إغمائه: ذهاب عقله من الضعف. ارجعوا أدراجكم، أي في الطريق الذي جئتم فيه. انضوا انزعاجكم، أي أزيلوا زعجكم وطيشكم، والانزعاج: ضد القرار. أعظمنا بشراه، أي وجدنا ما بشرنا به عظيما، والبشارة بكسر الباء: ما بشّرت به، والبشارة بضمها: ما يعطى على البشارة. والبشارة بفتحها: الجمال، وفلان بشير الوجه، أي حسنه، وعند أكثرهم أن لفظ «بشّرته» لا يستمل إلا في الإخبار في الخير، وليس كذلك، بل يستعمل في الخير والشرّ قال تعالى:

فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [التوبة: ٢٤]، والعلّة في ذلك أن البشارة إنما سميت بذلك لاستبانة تأثير خبرها في بشرة من بشّر بها، وقد تتغيّر البشرة للمساءة بالمكروه، كما تتغيّر عند المسرّة بالمحبوب، إلا أنه إذا أطلق لفظها وقع على الخير؛ كما أنّ النذارة يطلق لفظها في الشر، وهذا ذكرهالحريري في الدّرّة قال ابن عزيز: البشرى: والبشارة إخبار بما يسر، قال تعالى: لَهُمُ الْبُشْرى [يونس: ٦٤].

اقترحنا: طلبنا، واقترحت الشيء: فعلته قبل أن يفعل. مؤذنا: معلما. لقّى:

طريحا. طلقا: فصيحا. محدقين: محلّقين، وأحدق القوم بالشيء إذا أحاطوا به واحتفّوا

<<  <  ج: ص:  >  >>