وكانت امرأته جليلة بنت مرّة بن شيبان، وكان لمرّة- وهو من بني بكر- عشرة من الولد، منهم الحارث وجسّاس ونضله وهمّام، فجاءت جساسا خالة له اسمها البسوس، التي يقال فيها: أشأم من البسوس، فنزلت عليه، ولها ابن وناقة تسمّى سراب، بفصيل لها، فدخل الحمى يوما، فوجد بيض القنبرة قد وطئته سراب فكسرته، فسأل عنها فأخبر أنها لخالة جساس، فقال: أو قد بلغ من قدره أن يجير دون إذني! يا غلام، ارم ضرعها، فخرقه بسهم، وقتل فصيلها، ثم طرد إبل جساس، ونفاها عن المياه، عن شبيث والأحصّ (غديرين) حتى بلغ غدير الذّئاب. فجاء جساس، فقال: نفيت عن المياه مالي، حتى كدت تهلكه! فقال: إنّا للمياه شاغلون، فقال: هذا كفعلك بناقة خالتي وفصيلها، فقال: أو قد ذكرتها! أما إنّي لو وجدتها في غير إبلي مرّة استحللت تلك الإبل لها، فعطف عليه جسّاس فرسه، فطعنه، فلمّا أحسّ الموت، قال: يا جساس، اسقني ماء.
إنّ جسّاسا جاء خارجة ركبتاه، قال أبوها: والله ما خرجتا إلا لأمر. فلما وصله قال: ما وراءك يا بنيّ؟ قال: طعنت طعنة لتشغلنّ شيوخ وائل رقصا. قال: قتلت كليبا؟ قال:
نعم، قال: وددت أنّك وإخوتك متمّ قبل هذا، ما بنا إلا أن تتشاءم بنا وائل، ثم لقي أخاه نضلة فقال:[الوافر]
وإني قد جنيت عليك حربا ... تغصّ الشّيخ بالماء القراح
فأجابه أخوه نضلة:
فإن تك قد جنيت عليّ حربا ... فلا وان ولا رثّ السّلاح
وكان أخوه همّام قد آخى مهلهلا أخا كليب، وعاهده ألّا يكتمه شيئا، فجاءته أمة له، وعنده مهلهل، فأسرّت إليه الخبر، فقال له مهلهل: ما قالت لك أمتك؟ فقال:
زعمت أنّ أخي جساسا قتل كليبا، فقال: است أخيك أضيق من ذلك. وتحمّل القوم، وغدا مهلهل في ثأر أخيه بالخيل، واجتمعت أشراف تغلب، وأتوا مرّة، فتكلموا معه في القصاص من جسّاس وإخوته، فذهب مرّة إلى الدية، فغضبت تغلب ووقعت في الحرب، فدامت بينهم أربعين عاما.
وكان فيما بينهم خمس وقائع: أوّلها يوم عنيزة وآخرها قتل جسّاس، وذلك أنه لما اجتمع نساء تغلب للمأتم قالوا لأخته: رحّلي جليلة عن مأتمك، فإنّ قيامها شماتة بنا، وعار علينا، فقالت لها: اخرجي يا هذه من مأتمنا، فإنك شقيقة قاتلنا، فلما رحلت قالت أخت كليب: رحلة المعتدي، وفراق الشامت! ويل غدا لآل مرّة، من الكرّة بعد الكرّة.
فلما بلغ ذلك جليلة قالت: وكيف تشمت الحرّة بهتك سترها، وترقّب وترها! أسعد الله جدّ أختي، أفلا قالت: نقرة الحياء، وخوف الاعتداء!
وجاءت وهي حامل، فولدت غلاما وسمّته بالهجرس، وربّاه جسّاس، فكان لا