الفالوذج، فسأله عنه فقيل له: هو الفالوذج، قال: وما هو؟ قيل لباب البرّ مع عسل النّحل، فقال: ابغوا لي غلاما يصنعه فأتوه به فابتاعه، وقدم مكة فصنع بها الفالوذج، فوضع الموائد بالأبطح إلى باب المسجد، ثم نادى: ألا من أراد الفالوذج، فليحضر! فكان فيمن حضر أمية بن أبي الصلت، وكان يمتدحه كثيرا فقال فيه:[الوافر]
لكلّ قبيلة رأس وهاد ... وأنت الرأس تقدم كلّ هادي (١)
له داع بمكة مشمعلّ ... وآخر فوق دارته ينادي
إلى ردح من الشّيزى ملاء ... لباب البرّ يلبك بالشهاد
ولباب البرّ: خالص القمح، ويسمى النّشا. يلبك: يخلط، والشهاد: العسل، والفالوذج: الذي رأيت يسجلماسة هو العسل والسمن يوضعان على النار، ثم يعقدان بالنشا، ثم يلوّن الكلّ بالزعفران فيجيء متعقّق الحمرة، فيقطع قطعا على قدر أكبر التمر، وفي شكله، ويؤتى به في الأعراس بعد الشواء، ويؤتى بالخبيص آخرا، وخبيصهم في غاية البياض ليس كخبيص الأندلس، ويقرّص قرصا على قدر صغار الجبن، فمن رآها على بعد لم يشكّ أنها جبن. ويعدّ رجال المائدة، ويؤتى بطبق كبير فيوضع بين أيديهم، وأمام كل رجل قرصته، فلا يكاد يكملها بالأكل لإفراط حلاوتها. وأكثر أطعمة أهل القبلة مستملاة من أطعمة أهل المشرق؛ وكذا أكثر أحوالهم من مبانيهم وأشكال ديارهم وسطوحها، واستعمال الإبل في السواقي والطواحين، ودقّ النوى لعلفها نعم، وعلى أنّ البربرية غالبة على ألسنة أهل القبلة فهم يستعملون كثيرا من ألفاظ أهل العراق، يقولون لفرق الناس الشّماسك، وكذا تسمية أهل سجلماسة، ويسمون البرّادة التي لشرب الماء بوقالا، وكذا تسمية أهل سجلماسة، وجمع البوقال بواقيل، قال الحسن بن هانئ:[البسيط]
أضمرت للنيل هجرانا ومقلية ... إذ قيل لي إنما التّمساح في النّيل
فمن رأى النيل رأى العين من كثب ... فلا أرى النيل إلا في البواقيل
وكان رأى التمساح أخذ رجلا، فهجا النيل. والبرّادة عندهم آنية من صفر، فيها مخاطيف يعلّق فيها البواقيل، وترفع للهواء فيبرد فيها الماء.
(١) الأبيات في ديوان أمية بن أبي الصلت ص ٢٧، والبيت الثاني لأمية في لسان العرب (دور)، (شمعل)، (رذم)، وديوان الأدب ٣/ ٣٤٠، ومجمل اللغة ٤/ ٢٦٣، وجمهرة اللغة ص ٥٠٢، وتاج العروس (دور)، (جدع)، (شمعل)، ولعبد الله بن الزبعري في ملحق ديوانه ص ٥٥، وتهذيب اللغة ١٤/ ١٥٤، وبلا نسبة في مقاييس اللغة ٢/ ٣١٢، والبيت الثالث لأمية بن أبي الصلت في أساس البلاغة (ردح)، وجمهرة اللغة ص ٥٠٢، وسمط الآلي ص ٣٦٣، ولسان العرب (رجح)، (ردح)، (شهد)، (لبك)، (رذم)، والمعاني الكبير ١/ ٣٨٠، ولأبي الصلت في المستقصى ١/ ٢٨١، ولأمية أو لأبي الصلت في الدرر ١/ ٢٤٩، ولابن الزبعري في لسان العرب (شيز)، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٨١٢، والمقرب ١/ ١٦٣.