وكنّى الملح أبا عون، لأنه يستعان به على أكل الطعام، وطعام بلا ملح لا يؤكل، وقد أشار إلى هذا بقوله: فما مثله من عون.
وكنى البقل أبا جميل لأنه يحسّن بحضرته الإدام ويزيّنه، أو لأنه يذهب الجميل، وهو ودك اللحم فيخفّ للأكل وقوله: لجمّل أي تجميل، أليق بالتفسير الأول، ولا يمتنع من الثاني؛ وحدث واثلة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:«أحضروا موائدكم البقل فإنه مطردة للشيطان مع تسمية الله تعالى».
أبو الفضل بن مالك: يعجبني البقل على المائدة فإذا رأيت السّكباج نسيت البقل.
السكباج: لحم بخلّ، والسّكّ بالفارسية، الخلّ، والباج اللحم، وسمي السكباج بأمّ القرى لأنه من أجلّ أطعمتهم.
***
وحيّ هل بأمّ القرى، المذكّرة بكسرى، ولا تتناس أم جابر، فكم لها من ذاكر، وناد أمّ الفرج، ثم افتك بها ولا حرج، واختم بأبي رزين، فهو مسلاة كلّ حزين، وإن تقرن به أبا العلاء، تمح اسمك من البخلاء. وإيّاك واستدناء المرجفين، قبل استقلال حمول البين، وإذا نزع القوم عن المراس، وصافحوا أبا إياس، فأطف عليهم أبا السّرو، فإنّه عنوان السّرو.
***
وأمّ الشيء: معظمه وجليله، ومنه أمّ القرآن الحمد لله، وأمّ القرى لمكة المشرّفة، وأمّ الشيء أجلّه، والقرى: طعام الضيف، فكأنه قال: عجّل بطعام فاضل يقدّم للضيف.
وكسرى ملك الفرس، وجعلها تذكّرته، لأنه أوّل من صنعت له، فاستعملها، وأمر بإجادة الصنعة في طبخها، وقيل: إن غيره طبخها واستعملها في زمن كسرى فنسبت إليه.
وكنى الجوزابة بأم الفرخ، وهي خبزة توضع في التنّور ويعلّق عليها طير أو لحم، فيسيل ودكه فيها ما دامت تطبخ، فتفرج عنك همّ الإدام فلا تحتاج إليه فهي خبز بإدامه.
افتكّ بها ولا حرج، أي كلها ولا إثم عليك، وإن كان اللفظ يعطيك معنى آخر، فالمراد به هذا.
وكنى الخبيص أبا رزين لفضله في الطعام وشرفه ورجحان ثمنه، وجعله آخر ما يؤكل، والرزين من الرّجال: الكثير الوقار، وقرن به الفالوذج، لأنه نوع منه؛ قال بعض الطفيلية: الحلواء مثل الملك، يدخل بيتا فيه قوم جلوس ليس فيه متسع لأحد، فإذا نظروا إلى الملك تضايقوا وأوسعوا له.
وكان عبد الله بن جدعان سيّدا شريفا في قريش، فوفد على كسرى وأكل عنده