وكان الحكم بن عبدل أعرج أحدب هجّاء خبيث الهجاء، وكان الشعراء يقفون بأبواب الملوك فلا يؤذن لهم، وكان يكتب على عصاه حاجته ويبعث بها، فلا تؤخّر له حاجة، فقال يحيى بن نوفل: [الطويل]
عصا حكم في الباب أوّل داخل ... ونحن على الأبواب نقصى وتحجب
وكانت عصا موسى لفرعون آية ... وهذي لعمر الله أدهى وأعجب
تطاع فلا تعصى ويحذر أمرها ... ويرغب في المرضاة منها وترهب
فضحك الناس منها وشاعت بالكوفة، وصارت ضحكة، فاجتنب أن يكتب عليها.
وكان لابن عبدل صديق أعمى يقال له يحيى ابن عليّة، وكان ابن عبدل قد أقعد، فخرجا ليلة إلى منزل بعض إخوانهما، وابن عبدل يحمل والأعمى يقاد، فلقيهما صاحب العسس، فأخذهما وحبسهما. فنظر ابن عبدل إلى عصا ابن علية في الحبس إلى جانب عصاه، فضحك وقال: [مجزوء الكامل]
حبسي وحبس أبي عليّ ... ة من أعاجيب الزّمان
أعمى يقاد ومقعد ... لا الرّجل منه ولا اليدان
يا من رأى ضبّ الفلا ... ة قعيد موت في مكان
طرفي وطرف أبي عليّ ... ة دهرنا متوافقان
من يفتخر بجواده ... فجيادنا عكّازتان
وقال أيضا: [الطويل]
أقول ليحيى ليلة السجن سادرا ... ونومي به نوم الأسير المقيّد
أعنّي على حفظ النّجوم ورعيها ... أعنك على تحبير شعر مقصّد
ففي حالتينا عبرة وتفكّر ... وأعجب من ذا حبس أعمى ومقعد
كلانا إذا العكاز فارق كفّه ... ينيخ صريعا أو على الكفّ يسجد
فعكّازة تهدى إلى السّبل أكمها ... وأخرى مقام الرّجل قامت مع اليد
وولي إمرة الكوفة أعرج وولي شرطتها أعرج، فقصد الأمير ابن عبدل وهو أعرج، ووجد سائلا أعرج فقال: [الكامل]
ألق العصا ودع التخامع والتمس ... عملا فهذي دولة العرجان
لأميرنا وأمير شرطتنا معا ... يا قومنا لكليهما رجلان
فإذا يكون أميرنا ووزيرنا ... وأنا فإنّ الرابع الشيطان
فبعث إليه الأمير بمائتي درهم فضة وسأله أن يكفّ.